تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لا للتوطين في لبنان.. ولا لسحق اللاجئين أيضاً

 

محطة أخبار سورية

تشهد الساحة السياسية اللبنانية، هذه الأيام، لغطا متناميا حول وضع مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، ويبدو أن هذا الملف قد رفع في حرارة السجال المتوتر أصلا بين الطوائف والفرقاء، وإذا ما تواصل على هذا النحو فإنه ينذر بما لا يحمد عقباه، وقد يعود بالبلد إلى مربع الأزمة مع ما سيرافق ذلك من تغيير في خارطة التحالفات السياسية بما سينعكس تداعيات خطيرة تتجاوز حدود لبنان.

 

فالبرلمان اللبناني يشهد حاليا انقساما طائفيا بين مسلمين ومسيحيين حول هذه القضية التي تدعو إلى منح الفلسطينيين حقوق التملك والعمل والضمان الصحي، وهي من ثوابت حقوق الانسان في أي بلد كان، وبقطع النظر عن وضعه السياسي والاجتماعي، أما بالنسبة إلى مئات الآلاف من اللاجئين فهم يعيشون تحت خط الفقر، إذ لا يتجاوز متوسط الدخل اليومي للفرد الفلسطيني في بعض المخيمات دولارين، مع العلم أن 2.4 دولار في اليوم هو مستوى خط الفقر المقبول الذي يحدده برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، وإذا كانت احتمالات الإنقاذ في مناطق أخرى من العالم ولفائدة شعوب أخرى واردة، إلا أن تلك الاحتمالات تبدو معدومة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وخصوصا مئات الآلاف منهم ممن ساقهم قدرهم المشؤوم للاحتماء بلبنان.

 

في الواقع لم يكن وضع اللاجئين قبل هذا التوقيت نعيما، بل على العكس فإن أكثر من ستة عقود كانت أشبه بجحيم، ولكن اللحظة السياسية لم تسنح لإثارتها مثلما هو الحال اليوم، فالكل يعرف أن مخيمات عين الحلوة والمية المية وتل الزعتر ونهر البارد والبداوي قد دفع ساكنوها أثمانا باهظة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وحتى وقت قريب في المعارك بين الجيش اللبناني ومتشددي فتح الإسلام خلال صائفة 2007.

 

في تلك الأوقات العصيبة لم يطرح ملف وضع اللاجئين الفلسطينيين كما هو الحال اليوم، والسبب هو أن في السنوات السابقة كان للبنان من التحديات والمزالق ما كفاه شر التطرق إلى حال اللاجئين، ولكن الآن مع ظهور صحوة انسانية دولية باتجاه الفلسطينين، صارت القضية مطروحة، وأصبح أمر حلها مستعجلا جدا ولم يعد من الممكن أبدا التغاضي عن هذه الحالة الناطقة بكل معاني المأساة.

 

السيد سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني، أعلن أن حكومته سوف تتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني الذي يعيش في لبنان، ولكن على المجتمع الدولي أيضاً أن يتحمل مسؤوليته تجاه هؤلاء الفلسطينيين بأن يكون لهم الحق بالعودة إلى وطنهم فلسطين وعاصمتها القدس، وهذا الكلام الذي قاله السيد الحريري لا خلاف على صراحته ووضوحه، ولكنه يظل مجرد حديث يروى أما في التطبيق فليس هناك ما يوحي بأن البعض منه سينفذ، فلا الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤوليتها عن حق الفلسطينيين على أراضيها، ولا المجتمع الدولي يفعل شيئا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا حق العودة بات يلوح في الأفق، بل على العكس كل ما على الأرض يترجم تخلي جميع الأطراف عن مسؤولياتهم، وأن كل ما يقال ما هو إلا شعارات ترفع تعوّد عليها الفلسطينيون منذ عشرات السنين، بينما هم يسحقون سحقا داخل مخيمات اللجوء.

 

الجامعة العربية، التي تصحو دائما بعد الكوارث، ما زالت لم تصدرا قرار بشأن فلسطينيي لبنان، وكل ما اتخذته لا يتعدى تصريحات تطالب بالهدوء في تناول القضية، في حين قفزت إلى مقدمة المنادين بضرورة الاتفاق على حلول انسانية للاجئين الفلسطينيين، منظمات انسانية من شتى بقاع العالم، وقد نرى في قادمة الأيام مسيرات تطالب بحقوق الفلسطينيين في لبنان، على غرار المسيرات التي جابت العواصم تنديدا بجريمة إسرائيل بحق أسطول الحرية ومطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة المحتل.

 

والحال أن وضع الفلسطينيين في قطاع غزة لا يختلف عن وضع مئات الآلاف منهم في لبنان، فالجانب الانساني واحد ويجب أن يتم الدفاع عنه بنفس الروح ونفس الضمير، مع ملاحظة أن أهالي قطاع غزة يعيشون تحت احتلال غاشم وتواطؤ عربي ودولي استمر عدة سنوات، أما أشقاؤهم في لبنان فهم ليسوا في واقع احتلال، ولكن من الناحية الانسانية هم في وضع أسوأ بسبب حرمانهم من أبسط الحقوق بحجة الخوف من التوطين وزيادة عبء آخر على لبنان المثخن بالأعباء السياسية والأمنية، فضلا عن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة لوجوده.

 

من الظلم بحق لبنان أن نحمل اللبنانيين وحدهم مسؤولية وزر الفلسطينيين ممن هم بين ظهرانيهم، بل المسؤولية كلها ترمى على كاهل الجامعة العربية أولا ثم المجتمع الدولي، وهي مسؤولية تترتب على اعتبار العرب أن القضية الفلسطينية ومسؤولية الفلسطينيين هي القضية القومية، وربما هي القضية الوحيدة التي مازالت تجمعهم ربما لأسباب تاريخية، ولكنها ملحة عليهم لأسباب أمنية وسياسية واستراتيجية راهنة.

 

على الجامعة العربية ممثلة لأقطارها الإثنين والعشرين أن تتدخل بمساعدة لبنان بالتمويل وبعث المشاريع والضمانات أيضا وأن تمكن الفلسطينيين من حقوقهم المدنية لا يعني توطينهم، ولا يعني مسا من حقوق أي طائفة، كما أن منح اللاجئين الحقوق قد يعني استقرارا أكبر للبنان، وزيادة للتماسك الاجتماعي بين فئاته، وهذا الطموح يمكن أن يتحقق إذا توفرت إرادة عربية صادقة تضمن حقوق جميع الأطراف.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.