تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ميلان كونديرا.. خلصني من ثقل خفته

 

محطة أخبار سورية

يبدو أنني حملت الثقل وحمل هو الخفة ..فانجذبت أنا للأرض وبت أسيرة الأفكار والمثالية وتحرر هو من كل هذا .. يبدو أن من يقف في الطرف الآخر بات سعيدا بتحرره ، بخفته ، بعدم مبالاته أما أنا فأسرت بتحرره لأتحمل خفة الكائن التي لا تحتمل ..

لم يعد ألمي بذاتي ونفسي بأثقل من معاناتي مع الآخر ذاك الذي يسكن في مكان آخر يستجمع أفكاره ويلملم أوراق حبه وألمه وذكريات حياته فيما تتبعثر أوراق حياتي التي لم تبدأ بعد وتتردد أصداء ألمي .. وحده الخيال بقادر على سماع صدى صراخي ..

كنت اعتقدت أن الحب لا يمكن أن يكون شيئا خفيفا ..لا يعقل أن يكون بدون وزن.. لكنها المآساة الحقيقية ..

تكتشف مأساتك عندما تسرق عبارة الثقل من رواية ميلان كونديرا  وتطبقها على حياتك .. فيكون حب الآخر هو الثقل ..تحاول أن تحمله ..تحارب في سبيله ..تصارع لإنك تريد أن تحمله بكل ما لديك من قوة ..لكنك تكتشف أن الثقل لم يعد هو المشكلة ..المشكلة باتت موضوع الخفة..ثقله الذي حملته على كتفيك كان في الحقيقة ثقل خفته التي لم تعد تحتملها ..

لم يكن الاكتشاف وليد الصدفة .. جنون الأفكار وحدها من يدفعنا لتعقب الاشياء واكتشافها.. الهوس بالأخر..التفكير فيه ..كله دفعني للتسلل إلى عقل من أحب..هناك وجدت هويتي وعليها مكتوب اسمي .. بالقرب منها وجدت خريطة رسمت عليها معالم جغرافيتي..وجدت صورته يوم أتاني راكبا الموج غير آبه بهبوب العاصفة..وفي أسفلها عبارة كتب عليها (ما قبلك ليس كما بعدك.. الحياة مستحيلة بدونك)...لم يعد البحث مجد ..فما بحثت عنه وجدته .. قررت العودة خشية أن أوقظه ..

كان هو سبقني وقرر الاستيقاظ ، قرر الرجوع من الحلم والعيش في الواقع، فكتب قائمة أولوياته في الحياة بدءا من الأشخاص الذين يحبهم وانتهاء بالأشياء..

بدأت القراءة ..قرأت وقرأت ..مللت ..ضجرت ..ولم أجد اسمي ...نظرة أخيرة على القائمة ..لقد وجدته ..وجدت اسمي مذيلا نهايتها..وجدته باهتا..والله يا (......) وجدته باهتا..مكتوبا بقلم الرصاص ..كل ما فعلته أنني استعرت ممحاة ومسحت اسمي ...لأجنبه الشعور بالذنب أولا..ولأحافظ على مبدأي الثابت في الحياة ثانيا فالأسماء المخلدة هي من تبقى في الأعلى فقط لإن أحدا لن يجرؤ عليها أو يطالها ..لكن اسمي على ما هو عليه سيمحى بيد أول طفل يعبث بأدواته ليستبدله بخربشاته.

حاولت أن أنزع ذاكرتك من ذاكرتي .. ثمة دعوة للصحوة أن أشفى منك ..دعوة تؤرقني ..تنبهني أن استيقظي ..لكنني في كل مرة أعطي المنبه غفوة لأعود وأغرق في الحلم.. فيما تنتظر عند الباب امرأة حقيرة اسمها الحقيقة..حقيقة تقول أن أمنياتي المتناثرة فوق رغبات ومزاجية الآخر مجرد خيال ..

كنت أخذت حريتي كاملة وأطلقت يدي..لأنس أمي وأبي ..أنسى عائلتي وأسير في وجهتي التي تختارها لي ..لكن ما أراه اليوم يستوقفني :

فأنت كل ما لدي ..وأنا بعض ما لديك ..أنت كلي بالنسبة لي وأنا جزئية بالنسبة لك،

أنت عالمي ..وأنا دخيل متطفل على عالمك .. أنت تحن الرجوع إلى حضن الذهب ..وأنا مجرد إكسسوار ..أطول مواسمه يوم أو يومين ..

وسط المزاحمة تندفعون ..وتركبون الموج وتحاربون ..ثم أجد نفسي بعد حين أخذت في الوقت المستقطع من استراحة المحارب ..كمن وجد مطرة ماء في خضم الحرب.. شرب المحارب وارتوى ثم عاد ليكمل معركته ..وأنا بت المطرة الفارغة أواجه مصيري على قارعة الطريق..

أحسد ذاك الشاب عندما طلبت منه أن يكمل النقص الموجود لديه تجاه الانثى واعدة إياه أن لا أجعله فقط في قائمة نابليون وغيفارا وإينشتاين ..بل واعدة اياه أن أجعله يتربع على عرش عظماء العالم وأن أجعل غيفارا وإينشتاين ونابليون مجرد ذكرى صورة يضعها في جيبه مع مفاتيحه وبقية نقوده ..

كان جوابه حاسما قاطعا :

النقص الوحيد الموجود في حياتي هو أن يتكرم أحدهم ويغسل لي غطاء ملحفتي ووجه وسادتي عندها يكتمل النقص ومعه تكتمل سعادتي..

سناء إبراهيم

نقلاً عن موقع "ألف"

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.