تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سيد محمد حسين فضل الله

فقد لبنان والعرب صباح الأحد 4-7-2010 إحدى أكبر القامات الروحية والفكرية والإنسانية في عصرنا الراهن المرجع الديني سيد محمد حسين فضل الله أحد كبار المجددين والمجتهدين في فقه المذهب الشيعي الإسلامي، وسيشيع جثمانه يوم الثلاثاء 6-7-2010 في موكب شعبي ويوارى الثرى في باحة مسجد «الإمامين الحسنين» في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد نعاه كل من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، فيما بادر رئيس الجمهورية العماد ميشيل سليمان بحضور مجلس العزاء وتعزية نجليه سيد علي فضل الله وسيد محمد باقر فضل الله.

ولد الإمام الراحل في مدينة النجف الأشرف في العراق عام 1935 التي استقر أبوه آية الله سيد عبد الرؤوف فضل الله فيها ليدرس في حوزتها بعد مغادرته لبلدته عيناتا- قضاء بنت جبيل، وكان خاله السياسي والوزير والنائب اللبناني المرحوم علي بزي من أركان عصبة العمل القومي في أربعينيات القرن العشرين، ويرتبط بقرابات مع عدد من المرجعيات الدينية والسياسية في العراق، وكان له مستقر شبه دائم جوار السيدة زينب في ضاحية دمشق، وسرعان ما بدأ سيد محمد حسين السير على خطى والده فبدأ بالدراسة في الحوزة العلمية في سن مبكرة (التاسعة من عمره) وبدأ دراساته العليا عندما أصبح في السادسة عشرة من عمره.

وإلى جانب نبوغه في مجال العلوم الدينية والفقهية كان سماحة السيد فضل الله أديباً وشاعراً ومثقفاً، فأصدر وهو بسن العاشرة مجلة بخط اليد تحت اسم «الأدب»، وفي العام 1961 كان أحد المشرفين على مجلة «الأضواء» وهي مجلة ثقافية إسلامية ملتزمة تصدر عن علماء الحوزة في النجف.

عاد إلى لبنان عام 1966 وأسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي، وتقاطر إليه الراغبون بالاستفادة من علمه، كما قام بإنشاء عدة جمعيات خيرية ومبرات للأيتام ولذوي الاحتياجات الخاصة بالإضافة إلى عدد من المشروعات الاجتماعية.

آمن سيد فضل الله بوجوب اعتماد المقاومة كوسيلة للرد على المشروع الصهيوني، وظلت القضية الفلسطينية تأخذ حيزاً كبيراً من عقله وتفكيره وعمله، وذكرت الممرضة التي كانت ترعاه في مشفى بهمن في مرضه الأخير أن من أواخر كلماته قبل أن يدخل الغيبوية عندما سألته إن كان يريد شيئاً: «أريد أن يزول الكيان الصهيوني».

عندما وقع الاجتياح الإسرائيلي على لبنان عام 1982 عاد سيد فضل الله وأكد على قناعته بوجوب اتخاذ نهج المقاومة وأفتى بضرورة الجهاد ضد الغزاة، وقد أثرت كلماته في تلاميذه ومريديه الذين بدأوا بتنفيذ عمليات المقاومة ضد جيش الاحتلال ونظموا أنفسهم ضمن حزب الله والمقاومة اللبنانية التي استطاعت أن تحقق الانتصار عام 2000 وأن تحرر معظم الأراضي اللبنانية.

كان سماحته داعياً إلى الحوار الإنساني- الإنساني، ولإظهار الوجه الحضاري للإسلام، معتبراً أن الحقد موت والمحبة حياة فكان رمزاً من رموز الاعتدال والانفتاح ومدرسة في الحوار وثقافة قبول الآخر، وكان علامة فارقة في معاداة الجهل والأمية والتكفير والفتن، فوقف بوجهها رافضاً أن يتآكل وجود المسلمين بِفِعل العصبياتِ المذْهبية الضيّقة، طالباً من علماء الأمّة الواعين من أفرادها أن يتّقوا الله في دماء الناس، معتبراً أنّ كلَّ مَنْ يُثيرُ فتنةً بين المسلمين ليمزِّق وحدتَهم ويفرِّق كلمتَهم هو خائنٌ لله ولرسوله وإنْ صامَ وصلّى.

كما حرص على الدوام أن تكون العلاقات بين المسلمين والمسيحيين قائمةً على الكلمةِ السواء والتفاهم حول القضايا المشتركة، وتطويرِ العلاقاتِ بينهم انطلاقاً من المفاهيم الأخلاقية والإنسانية التي تساهم في رَفْع مستوى الإنسان على الصُّعُد كافّة، وارتكازاً إلى قيمة العدل في مواجهة الظلم كلّه.

له 75 مؤلفاً تتوزع أحجامها ما بين مجلدات وكتيبات صغيرة وتضم 18 كتاباً فقهياً، و16 كتاباً إسلامياً، 16 كتاباً يضم محاضرات وندوات ومقالات، وخمس كتب عن القرآن الكريم، وخمس كتب أدعية، وثمان كتب عن أهل البيت، وأربع كتب اجتماعية، بالإضافة إلى ثلاثة دواوين شعرية، والعديد من التسجيلات الصوتية لدروسه ومحاضراته.

كان سماحته يؤمن بضرورة ترافق العمل الاجتماعي مع العمل الديني كون الإسلام دين ودنيا فكان يشمل تحت رعايته تسعة مدارس وثانويات وثلاثة معاهد تقنية وتربوية وطبية، وأربعة مؤسسات لرعاية الأيتام والفقراء، وأربعة مشافي، وثلاثة مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة، ومركزاً ثقافياً وإسلامياً هو مجمع الإمامين الحسنين بالإضافة إلى مكتبة السيد محمد حسين فضل الله العامة.

لقد كان لي شرف لقاء سماحة سيد محمد حسين فضل الله عدة مرات آخرها في مقر إقامته برفقة د. محمد سعيد الطريحي، حيث عبر سماحته خلال اللقاء عن تقديره واحترامه للثقافة العربية في سورية وما تمتاز به من وطنية وانفتاح سيما في الأدب والشعر.

ونختم ببعض ما قيل فيه، قال الرئيس د. سليم الحص: «إنّ فكر السيّد محمّد حسين فضل الله، ينضح بحقيقة الرّجل، فهو لبنانيّ مخلص في تفكيره وتوجّهه، وهو وطنيّ ملتزم في إحاطته واهتمامه، وهو عربيّ في انتمائه وتطلّعاته، وهو مسلمٌ في سلوكه وإيمانه، وهو فوق كلّ هذا، إنسانٌ كبير، يأنس ذلك كلّ من تعرف إليه أو تعامل معه، وكلّ من جالسه وحاوره، وكلّ من قصده في شأنٍ أو أمر».

وكتب الرئيس نبيه بري في افتتاحية صحيفة النهار اللبنانية: «.. كل من في الشرق من المسلمين والمسيحين سينتبهون إلى أنهم فقدوا مرجعاً كان يحرسهم من هوجاء التعصب والتمذهب، وسينتبهون غداً إلى أنهم أشد حاجة إليه في اللحظات العصيبة الضاغطة.. ».

وجاء في نعي البطريرك لحام: «.. إن آثاره الكتابية ومتروكاته الوعظية والفقهية، وآراؤه في تثبيت ركائز العيش التفاعلي بين المسيحيين والمسلمين، كانت وستظل من أبرز علامات الانفتاح الفقهي والاعتدال الفكري الذي نراهن عليه في عملية بناء الجسور بين الأديان والحضارات... من أجل إنسان أرقى وغد أفضل».

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.