تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأرجنتين.. بمناسبة زيارة الرئيس بشار الأسد

قام الرئيس بشار الأسد بزيارة إلى قارة أمريكا الجنوبية والكاريبي في أول زيارة لرئيس سوري إلى تلك المنطقة من العالم، حيث قام سيادته خلال هذه الجولة التاريخية بالتوقف في كل فنزويلا وكوبا والبرازيل والأرجنتين.

وكنا تحدثنا في هذه السلسلة عن المحطات السابقة وننهي مع الأرجنتين المحطة الرابعة لسيادته في هذه الجولة التاريخية.

بدأ تاريخ الهجرات من سورية ولبنان إلى الأرجنتين ما بين عامي 1870- 1880 حيث تذكر السجلات وصول 672 مهاجراً سرعان ما تزايدت أعدادهم في العقود التالية حتى أصبح المهاجرون العرب من سورية ولبنان الأثنية الثالثة في الأرجنتين بعد الإسبان والإيطاليين ويبلغ عددهم اليوم ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف مواطن أرجنتيني، وتقدر نسبتهم بحوالي 13% من إجمالي عدد السكان.

وقصة المهاجرين السوريين في الأرجنتين قصة نجاح وتميز في الأرض الجديدة وارتباط قوي ووثيق مع الوطن الأم، حيث استطاع هؤلاء المواطنون الأرجنتينيون من أصول سورية ترك بصمات مميزة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، كما نشطوا في الخدمة العامة والمجال السياسي، فكان منهم النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات، وأبرز شخصية أرجنتينية من أصول سورية هي الرئيس كارلوس منعم رئيس الأرجنتين ما بين عامي 1989 – 1999، الذي قام بزيارة إلى سورية خلال فترة رئاسته عام 1992 توقف خلالها في بلدة يبرود في منطقة القلمون التي يتحدر منها هو ووالده ووالدته، ويدل ترأس منعم للحزب البيروني – أكبر الأحزاب القومية في الأرجنتين – على عمق الانتماء الذي يشعر به أبناء الجالية السورية لوطنهم الجديد.

وبالتوازي مع هذا الانتماء فإن أبناء هذه الجالية من أحرص المغتربين السوريين على الحفاظ على الصلة مع أرض الآباء والأجداد، والإبقاء على الهوية والطابع الثقافي والحضاري المميز الذي نتج عن تزاوج الثقافة العربية مع الحياة الجديدة في بلاد المهجر، فانتشرت الأندية والجمعيات والمنظمات والمؤسسات بين المهاجرين السوريين في الأرجنتين لغرض الحفاظ على هذه الصلة والطابع، وكان هناك وفد من عرب الأرجنتين من بين الوفود المشاركة في المؤتمر الأول للمهاجرين ما وراء البحار الذي عقد في دمشق عام 1965، وكانت المنظمات العربية في الأرجنتين أول من طبق الفكرة التي طرحت في ذاك المؤتمر وأقامت منظمة فيااراب – الأرجنتين لتجمع وتنسق بين نشاطات جميع المؤسسات الفاعلة بين المهاجرين العرب والتي كانت نواة لمنظمة فيااراب – أمريكا التي تضم في عضويتها غالبية المؤسسات العربية في الأمريكيتين.

وتعززت مكانة السوريين في مجتمعاتهم الجديدة وبدأوا يعملون في شتى مجالات الحياة ووصل البعض إلى أعلى المراكز في الأوطان الجديدة، فشغل بعضهم المناصب الوزارية وأصبحوا حكام ولايات ورؤساء بلديات وأعضاء في مجالس النواب والشيوخ وأساتذة في الجامعات ومديري مصارف وشركات ومصانع ومعامل، وسفراء للأرجنتين، ومنهم السفير الأرجنتيني في دمشق ذو الأصول السورية، كما أننا لا ننسى الدور الهام الذي تلعبه الجمعيات والأندية السورية، وكذلك دور جمعية الصداقة السورية – الأرجنتينية البرلمانية.

ولم يكن التلاقح الثقافي مقتصراً على التأثيرات العربية التي أدخلها المهاجرون من سورية إلى الأرجنتين فقط، بل شمل أيضاً جوانباً من الحياة اليومية الأرجنتينية التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية السورية أيضاً، والتي تعد أبرز ظواهرها عادة شرب منقوع "المتة" وهي عشبة طبيعية منشأها الأرجنتين راج أن لها فوائد صحية، وأصبحت داخلة في صميم الحياة اليومية في أغلب المدن والقرى السورية بحيث أصبحت المشروب التقليدي الثالث للشعب السوري بعد القهوة والشاي.

عرفت العلاقات بين سورية والأرجنتين تحسناً ملحوظاً بعد عودة الديمقراطية إلى البلاد عام 1983 وتسارعت خطوات تحسن العلاقات بين سورية والأرجنتين، فتم توقيع عدد من الاتفاقيات بين حكومتي البلدين منها اتفاق تجاري عام 1989 يقضي باتخاذ إجراءات لتسهيل وتنمية التجارة بينهما ومنح اجازات الاستيراد والتصدير اللازمة للبضائع التي منشؤها المباشر بلد الطرف الآخر، وبرنامج تنفيذي للتعاون الثقافي وقع عام 1999، وتم تبادل عدة زيارات على المستوى الوزاري كان آخرها زيارة وزير المغتربين السوريين المحامي جوزيف سويد إلى بيونس آيرس عام 2009 وزيارة وزير الإعلام د. محسن بلال عام 2010، ومنذ أيام تم الاحتفال بنصب «المسلة» في شارع الأرجنتين وسط مدينة دمشق، بين فندقي الفورسيزن والديدمان، بمناسبة الذكرى «200» لتأسيس دولة الأرجنتين، وتعبيراً عن ما يربط من مودة وتفاعل وتواصل بين سورية والأرجنتين.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.