تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عبدالستار المكي: البيت الأبيض والتصريحات السوداء

 

محطة أخبار سورية

كلما تعلق الأمر بالسياسات في البلدان العربية يصر البيت الأبيض للعم سام على إطلاق تصريحات سوداء، أقل ما يقال فيها أنها مزاعم لا تستند إلى الموضوعية والنزاهة التي يفترض أن تلتزم بها دولة عظمى تحترم على الأقل نفسها.

 

أما إذا تعلق الأمر بالسياسات السوداء لإسرائيل فإن البيت الأبيض يتجاهل المجازر التي يتعرض إليها الأبرياء من المدنيين والنساء والشيوخ ويطلق بكل ارتياح تصريحات بيضاء.

 

هكذا تبدو مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة وفيّة بل ملتزمة بالسياسات التي انتهجتها الإدارات السابقة، ولم يجن العرب إلى حدّ الآن من أداء الرئيس الكيني الأصل باراك أوباما سوى بعض الجمل والكلمات المتقاطعة ليست في الواقع سوى ذر للرماد في العيون.

 

إن التصريحات التي أطلقها الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا بخصوص وضع الحريات في تونس تؤكد من جديد أن العم سام اختار أن ينظر إلى الواقع العربي بعين واحدة، عين ترفض الحقائق وتصر على تشويه التاريخ.

 

لقد كان أحرى بناطق باسم وزارة خارجية دولة كبرى أن يكون دقيقا وواضحا في صحة تصريحاته ليتحدّث عما حققته تونس من خطوات واضحة على درب الحريات السياسية والمدنية وحقوق الإنسان لا أن يتحدث عن "تضييقات" لا وجود لها إلا في ذهن العم سام وفي أذهان مخبريه من الذين انسلخوا من وطنيتهم ليتمسحوا على عتبات مكاتب الاستخبارات الأجنبية ويعدوا تحت الطلب تقارير مغلوطة ومزيفة في محاولة يائسة لتشويه واقع تونس.

 

وليس إمعان الخارجية الأمريكية في تحويل قضية حق عام حوكم فيها شخص لتورطه في أعمال عنف إلى "قضية صحفية" إلا تأكيدا على أن الإدارة الأمريكية الجديدة ماضية قدما في تضليل الرأي العام وفي محاولة تنفيذ أجنداتها التي تستهدف استقرار البلدان العربية من منطق الوصاية التي لم تعد تجدي نفعا في تونس التي وضعت استقلالية قرارها الوطني في صدارة اهتمامات سياساتها ومبادئ علاقاتها مع مختلف الدول.

 

وإذا كانت الخارجية الأمريكية قلقة على وضع الحريات في البلدان العربية فأين مواقفها مما يجري في العراق حيث يتعرض الشعب العراقي يوميا إلى القنص المنظم من قبل الجنود العراقيين وإلى أبشع أنواع التعذيب طال المدنيين الأبرياء..؟! ثم بأي حق تسمح الإدارة الأمريكية باحتلال العراق؟

 

وإذا كانت أمريكا معنية بحقوق الإنسان في العالم فلماذا خرست عن الانتهاكات التي يتعرض إليها الشعب الفلسطيني التي لم يسلم منها الأطفال النساء والشيوخ؟، لِمَ يصمت العم سام عن تشريد شعب كامل وطمس حقائق الجغرافيا والتاريخ؟

 

لقد تجاهل الناطق باسم الخارجية ذلك ليحاول عبثا تضليل الرأي العام بوجود تضييقات عن الحريات في تونس؛ والواقع أن هذا البلد العربي الصغير في حجمه الكبير بمنجزاته نجح خلال العقدين الماضيين في نحت ملامح مجتمع متوازن تعددي ديمقراطي ينعم فيه التونسيون بحياة الحرية والكرامة.

 

عن أي تراجع للحريات في تونس يتحدث الناطق الأمريكي؟ ففي تونس تنشط تسعة أحزاب سياسية بكل حرية وتشارك في مختلف الاستحقاقات الانتخابية بما فيها الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها المعارضون الرئيس بن علي، وتصدر المعارضة صحفها بانتظام لتعبّر من خلالها عن مواقفها وتنقد أداء الحكومة وسياستها، وهي تشارك في بلورة الخطط التنموية للبلاد كما تشارك في منابر الحوار في التلفزيون الرسمي.

 

وعن أي تراجع يتحدث العم سام وهو يعلم أن حضور المعارضة التونسية ما انفك يتنامى بفضل تنفيذ البلاد لإصلاحات جريئة بمبادرات من الرئيس بن علي، وكان من نتائجها ارتفاع ممثلي المعارضة في البرلمان وفي المجالس البلدية؟

 

وعن أي تراجع يتحدّث، وقد أجرت تونس إصلاحات جوهرية على الدستور الشيء الذي أتاح لثلاثة من مرشحي من المعارضة من المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر 2009 ونافسوا فيها في أجزاء ديمقراطية شفافة الرئيس بن علي؟

 

وعن أي تراجع للحريات يتحدّث وفي تونس مجتمع مدني حيوي تنشط فيه 9000 جمعية تعمل في مختلف المجالات بما فيها طبعا مجالات الحريات وحقوق الإنسان؟

 

ربّما لم يطلع، أو تجاهل، الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية على التصنيفات المتقدمة التي حازتها تونس من هيئات ومؤسسات إقليمية ودولية مشهود لها بالنزاهة والموضوعية في مجالات الاستقرار السياسي وحياد الإدارة وجودة الحياة وتنافسية الاقتصاد.

 

وربما لم يطلع على المؤشرات السياسية والتنموية التي حققتها تونس في تجربة تعدّ واحدة من أنجح التجارب حيث تبلغ الطبقة الوسطى 80 بالمائة من المجتمع، وارتفع معدل الدخل الفردي السنوي للمواطن أكثر من 5500 دينار وانخفضت نسبة الفقر إلى حدود 3 فاصل 8 وحافظت البلاد على نسبة نمو سنوية تقدر بـ5 في المائة منذ 7 نوفمبر 1987 نتيجة السياسات الرشيدة التي استثمرت في الموارد البشرية.

 

إن معطيات الواقع في تونس تفنّد التصريحات غير الدقيقة للناطق باسم وزارة الخارجية حيث تبدو تونس اليوم وبشهادة المراقبين أنها أرست مقومات مشروع مجتمعي تعددي ديمقراطي يولي الحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان مكانة متميزة في القانون وفي الممارسة.

 

وليس بإمكان مثل هذه التصريحات التي تتنزل ضمن أجندة أمريكية تكيل بمكيالين كلما تعلق الأمر بشؤون البلدان العربية أن تقنع أحدا أو أن تحجب عن العرب أن الإدارة الأمريكية الجديدة مصرّة على الوفاء لسابقاتها في التحامل بل وفي استهداف حالة النماء والاستقرار التي نحتتها البلدان العربية بعقول وسواعد أبنائها.

 

إن مثل هذه التصريحات هي أعجز من أن تشكك في مسارات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتونس ولأي بلد عربي بل الواقع هي تصريحات تعمق الهوة بين الإدارة الأمريكية والعالم العربي إضافة لكونها ترسّخ في الأذهان الصورة السلبية للسياسات الأمريكية تجاه البلدان العربية.

العرب أونلاين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.