تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

زياد أبوشاويش: زيارةنتنياهو لواشنطن.. تأكيدالثوابت

 

محطة أخبار سورية

يتحدث الفلسطينيون عادة عن الثوابت للتعبير عن حقوقهم المشروعة في وطنهم وعدم التخلي عن أي منها، وهذه تتناول الأرض وحق العودة والقدس والدولة المستقلة وحرية الاختيار، وهناك من يتوسع فيضيف إليها ثوابت أخرى كعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وتحريم التفاوض معه أو الصلح كما ورد في مؤتمر قمة الخرطوم عام 1967 وغير ذلك من الأسس التي يقوم عليها الفكر السياسي لواضع الثوابت أو المؤمن بها.

 

هناك ثوابت أخرى لا بد من أن يحفظها العرب والمسلمون باستمرار ولا يترددوا في وضعها كأساس لبناء علاقتهم بأمريكا، كما تصوراتهم للحل السلمي مع العدو الإسرائيلي، وهذه عنينا بها ثوابت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

 

إن نظرة متفحصة لكلا الثوابت الفلسطينية والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستجد أن الثوابت الفلسطينية قابلة للقسمة والطرح وغير ذلك من العمليات الحسابية المعروفة، أما ثوابت العلاقة بين أمريكا وإسرائيل فهي غير قابلة لا للقسمة ولا لأي حسابات أخرى. وحين نرى بعض الاختلاف والتناقض الذي يهلل له بعض الأعراب فإن ذلك لا يعدو كونه مناورات تستخدمها الدولتان لخداع الرأي العام العالمي ناهيك عن الأصدقاء العرب المفتونين بإدارة أوباما.

 

إن ثوابت العلاقة بين إسرائيل وأمريكا بنيت منذ إعلان قيام الدولة الصهيونية عام 48 على قواسم مشتركة قوية ذات طابع فكري وديني وأمني، وحين كانت هذه العلاقة تتعرض لهزات وإرباكات بسبب السلوك الإسرائيلي على وجه الخصوص كانت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية تتحول إلى الحاضنة الأكثر دفئاً للحفاظ على أمن إسرائيل ومصالحها حتى لو اضطرت لزجرها وإرغامها على تنفيذ سياستها في المنطقة والذي رأينا نموذجه الأبرز في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وفي العدوان الأمريكي على العراق في عام 1991 والعام 2003 حين أرغمت أمريكا إسرائيل ومعها بريطانيا وفرنسا على سحب قواتها من سيناء ومدن القناة في العدوان الثلاثي الشهير، وألزمت إسرائيل بعدم الرد على قصف العراق للمدن الإسرائيلية خلال حرب الكويت أو المشاركة في غزوه عام 2003.

 

على مدار تاريخ الدولة العبرية لم يحدث أبداً أي تناقض أو اختلاف عرض هذه العلاقات للخطر الجدي، وكل الكلام عن عدم حاجة الولايات المتحدة لإسرائيل وبأنها باتت عبئاً عليها لا يعدو أحلاماً عربية وإسلامية ليس في الواقع ما يؤكدها، وهناك من يسوق هذه الأوهام والأحلام لغاية في نفس يعقوب.

 

إن تجميل وجه أمريكا القبيح هو غاية السياسة الأمريكية تجاه العرب دون استعادة حقوقهم. واحترام العلاقات والمصالح الاستراتيجية لأمريكا غير ذي وزن عند المخططين والمبرمجين الأمريكيين الذين يضعون عادة استراتيجيات الدولة العظمى والبدائل، لمعرفتهم بأن الرد العربي على انحياز بلدهم لإسرائيل لن يضر بهذه المصالح أو حتى يهددها.

 

طبعاً هناك أوقات تختلف الرؤية الأمريكية عن الإسرائيلية في طريقة معالجة بعض القضايا والأحداث وتصاب العلاقة ببعض التوعك أو لنقل الغضب الأمريكي من العناد والاستخفاف الإسرائيلي بالرأي العام العالمي مما يضع أمريكا في حرج ويرغمها على إظهار الخلاف كالذي حدث في زيارة نتنياهو السابقة للولايات المتحدة حين استقبل بجفاء وعومل أثناءها بازدراء.

 

كان يعتقد بعض المتابعين والمحللين أن نتنياهو سيتعرض لضغوط أمريكية في زيارته الحالية لواشنطن بناء على معطيات عديدة ترتبط بالتجاوزات الإسرائيلية التي طالت جوانب عدة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إثارة المشاكل للحلفاء سواء كانوا عرباً أو غيرهم كما حدث مع تركيا حين اعتدت القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية في المياه الإقليمية وقتلت تسعة أتراك مدنيين بدون أي مبرر حقيقي أو غطاء قانوني.

 

كما كانت هناك أوهام لدى بعض الدوائر العربية أن زيارة نتنياهو لواشنطن قد تظهر تناقضات وشقوق في صرح هذه العلاقات يستفيد منها العرب خاصة بعد زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك العربية السعودية لواشنطن ولقاءه الحميم مع باراك أوباما وحديثه الطيب عن أمريكا ودورها العالمي في حفظ الأمن والسلام للشعوب والعالم، وبعد النداءات المتكررة من أصدقاء أمريكا وغيرهم لتضع حداً للعنجهية الإسرائيلية وتضغط عليها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ولتكف عن حصار غزة ووقف الاستيطان الذي يخالف أبسط معايير الحق والعدالة والقانون الدولي والإنساني، فما الذي جرى في زيارة نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني هذه المرة؟

 

إن كل المعلومات الواردة من واشنطن وعلى جميع المستويات ومن كل المصادر تفيد باتفاق كامل بين الطرفين على مجمل المقترحات والاحتمالات التي تتصورها دولة الاحتلال الإسرائيلي للحل فما يخص المسألة الفلسطينية، بالإضافة لتطابق وجهتي نظرهما فيما يتعلق بالملف النووي الايراني وراهنية الحصار والضغط المفترض على الجمهورية الإسلامية لإرغامها على وقف برنامجها النووي أو التعرض لما هو أشد وأعنف من العقوبات الدولية.

 

إن تفاصيل المقترحات التي وافقت إدارة أوباما على تطبيقها في الملف الفلسطيني تظهر إلى أي مدى تعكسه ثوابت العلاقة بين أمريكا وإسرائيل سلباً على مستقبل القضية الفلسطينية، وكيف تتعامل الإدارة الأمريكية حين تكون الرغبة الإسرائيلية غير قابلة للمساومة كتصورها لحل الدولتين وقضية القدس واللاجئين والمستوطنات والأمن والحدود وهي قضايا جوهرية لدى الفلسطينيين ثوابتهم فيها، وحين تكون الانتخابات الأمريكية الدورية أو النصفية على الأبواب.

 

إن العرب والمسلمين يواجهون في حقيقة الأمر فريقاً واحداً في منازعاتهم وصراعهم من أجل فلسطين والمقدسات، واللاعبون في هذا الفريق يجيدون التكتيك والخداع لكنهم على استراتيجية واحدة ترتبط بالحفاظ على أمن وسلامة الدولة العبرية، وطالما بقيت المصالح الأمريكية مؤمنة في المنطقة فإن هذه الاستراتيجية لن تتغير ولن يحصل العرب والمسلمون على حقوقهم، وثوابتهم ستذروها الرياح.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.