تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقسيم السودان.. طبخةصهيونية بتنفيذأمريكي ومساعدة مصرية

 

محطة أخبار سورية

قبل أقل من نصف عام على استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان نشطت الآلة الصهيونية لفرض الأمر الواقع والوصول بالاستفتاء إلى إقرار التقسيم والانفصال التام لـ"دولة الجنوب" وتحقيق خطوة إضافية في جهودها لتفتيت الدول العربية وخلق كانتونات قزمية تتولى محاربة الوحدة وتخريب أي محاولة للتكامل ولو في مداها الاقتصادي.

 

ونود الإشارة منذ البداية إلى أن المسألة أبلغ مدى من لعبة الصراع على الكراسي التي تتم بين فرقاء المشهد السوداني الذين لا يتورع بعضهم في الاستقواء بالخارج لـ"تحرير" السودان من قبضة البشير تماما مثلما فعلت "المعارضة" العراقية التي جلبت الاحتلال والخراب، وهو ما ستحمله ولا شك "المعارضة" السودانية التي تصطف وراء لعبة التفتيت ويسيل لعابها لإغراءات الخارج، خاصة أن بعض مكوناتها تشكل في الخارج، أو اشترك في لعبة إقليمية ضد بلده وتحالف مع دعاة التفتيت والانفصال حينما كانت أطراف خارجية مفضوحة ومعلومة تدعمهم سياسيا وماليا ودينيا وتعلن صراحة عداءها للسودان بلدا وثقافة وهوية عربية وإسلامية.

 

ويبدو أن الرئيس البشير نفسه استفاق مؤخرا على أن حكم الجنائية في صيغته الأولى والثانية لم يكن كراهية له شخصيا ولا لتمسكه بالكرسي وضربه عرض الحائط بكل محاولات الحوار الوطني والتأسيس للشراكة في الحكم والتنازل لأجل استمرار الوحدة، وهو ما جعله يطلق صيحة فزع حقيقية تعلن أن السودان يتعرض لمؤامرة كبرى.

 

الآن لم يعُد التنازل مجديا ولا الحوار الوطني المتسرّع كافيا لوقف المؤامرة التي بلغت مراحل متقدمة، ولقد أشارت صحيفة "العرب" أكثر من مرة وفي هذه المساحة بالذات إلى أن حكم الجنائية الدولية على الرئيس عمر حسن البشير يخفي وراءه مسائل أهم، فالبشير ليس وحده من يتحمل فوضى دارفور فهناك أطراف أقليمية ودولية تدعم مختلف الفصائل الدارفورية وتمدها بالسلاح وتفرض عليها أجنداتها بغاية وحيدة هي إشاعة "الفوضى الخلاقة" وتشريع التدخل الخارجي لفرض التفتيت والتقسيم تحت مبرر تمكين مختلف الأعراق والثقافات من تكوين دول تخدم مصالحهم، وهو مبرر كاذب لأن الهدف هو تفتيت الأقطار العربية وفرض التجزئة على الأمة وإلهاؤها عن قضاياها المصيرية بدءا من التحرير مرورا بالتكامل الاقتصادي والسياسي وصولا إلى الوحدة الشاملة.

 

اللعبة نجحت في العراق وتمكنت الصهيونية العالمية ممثلة في المحافظين الجدد بالبيت الأبيض زمن بوش الابن من "تثوير" الطائفية وتغليب النزعة الانفصالية لدى مختلف المذاهب والطوائف والأعراق وفتتت البلاد في عقول الناس وقلوبهم قبل أن تفتتها على الأرض، والآن يأتي الدور على السودان الذي تسير به قواه الحية باتجاه نفس المصير.

 

كان يمكن للحوار الوطني بالسودان أن يحول دون التدخل الخارجي لو أن مختلف الأطراف عملت على إنجاحه وتبني ميثاق شرف يؤسس للشراكة السياسية في حكم البلد وتمكين مختلف الجهات والأقاليم من حقها في النفط والخيرات والمناصب وبالتوازي يُحرّم اللجوء إلى الاستقواء بالخارج، أما وقد مضت اللعبة إلى أقصاها خاصة بعد مقاطعة المعارضة للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جعلت النظام يواجه مصير التقسيم وحده، فإن المسؤولية التاريخية سيتحملها الجميع، وحتى لو تم اعتقال البشير وتسليمه إلى الجنائية الدولية، أو سلم نفسه بـ"شجاعة الفرسان"، أو انسحب من المشهد السياسي تماما، فإن اللعبة الصهيونية لن تقف وستنتهي إلى التفتيت.

 

المؤشرات على ذلك عديدة، لعل أهمها أن الإدارة الضعيفة للرئيس أوباما انخرطت في اللعبة الصهيونية من خلال حشر أنفها في الانتخابات السودانية الأخيرة وفرضت تعديل القائمات وتمديد الوقت وسكتت عن التجاوزات التي شابتها وهي كثيرة بشهادة الكثير من المراقبين المحليين والأجانب، وكان الهدف إجراء انتخابات في فبراير 2010 لتكون محطة قانونية قبل استفتاء الانفصال في 2011..

 

واليد الإسرائيلية لم تكن بعيدة عن المشهد، حيث أكدت تقارير عديدة على دور إسرائيلي بارز في دعم "دولة الجنوب" وتسريب السلاح إلى فصائل في دارفور لتواصل تحدي الدولة المركزية ومن ثمة تأبيد "الفوضى الخلاقة" وتشريع التدخل الخارجي.

 

وإذا كانت جهود الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا تتآلف للانتصار لخيار التفتيت، فأين الدور العربي؟

ما يلاحظ أن المنظومة العربية ككل "بما في ذلك الجامعة العربية" صارت تتجنب الخوض في أي قضية تكون الولايات المتحدة أو إسرائيل طرفا فاعلا فيها، فقد صمتت الجامعة ودول عربية مؤثرة وصغيرة عن غزو العراق ولم تتكلم إلا في سياق التطبيع مع واقع ما بعد الاحتلال، فجرت محاولات لإنجاح "مصالحة" عراقية على أساس القبول بالاحتلال كما تجري جهود كبيرة لإعادة السفراء إلى بغداد وإضفاء الشرعية التامة على غزو بلد كان دوره طليعيا في الدفاع عن الأمة "الحروب ضد الكيان الصهيوني، ثم الحرب مع إيران".

 

الجديد في الملف السوداني أن مصر أخذت على عاتقها مهمة تحويل الانقسام إلى واقع، ربما نكاية في نظام البشير الذي لم يعترف بحق القاهرة في "حلايب"، وربما نزولا عند أوامر أمريكية صهيونية كتلك التي ينفّذها النظام المصري بوجه مكشوف في العلاقة بالقضية الفلسطينية مثل إحكام الحصار على غزة وخنقها ورفض استقبال المعونات لمليون ونصف المليون جائع..

 

لكن الحقيقة على الأرض أن مصر تكفلت، كما قالت وكالات الأنباء، بمنح "دولة" جنوب السودان 300 مليون دولار لتحسين بنيتها الأساسية ومشاريع الري وإنشاء ممرات مائية، وإنا لنتساءل كيف لمصر التي ترزح تحت اشتراطات المساعدات الأمريكية وتعيش وضعا اجتماعيا صعبا يتسم بالفقر والإضرابات أن تتحول إلى "دولة مانحة"؟

 

مصر التي استقبلت زعيم الانفصال سيلفا كير واحتفت به مثلما تحتفي برئيس دولة حيث استقبله الرئيس مبارك ورئيس وزرائه نظيف ووزير خارجيته أبو الغيط، كما استقبله أمين عام الجامعة العربية الذي وعد بعقد مؤتمر يخصص لدعم الاستثمارات في جنوب السودان.

 

قد يكون الرئيس مبارك ومن حوله حسموا أمرهم ولم يعودوا يفكرون إلا في مصالح مصر، لكن استقلال جنوب السودان يعني فسح المجال أمام إسرائيل لتحيط بمصر من الجنوب وتوسع دائرة التواطؤ ضدها مثلما يجري الآن في قضية مياه النيل وسيكون نظام البشير أرحم بها وأحرص على أمنها واستقرارها..

 

وهكذا، فإن اللعبة الصهيونية ماضية إلى التنفيذ بتعاون سلس من الأطراف السودانية والولايات المتحدة ومصر، فكيف يتصرف البشير وهل يقدر على الصمود في وجه مؤامرة متعددة الأوجه والأهداف والأطراف الفاعلة؟.."افتتاحية صحيفة العرب العالمية".

            العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.