تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العراق مريض وكل قادته يعتقدون انهم وحدهم الطبيب!!!

تحدّى رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في مقابلة مع وكالة "رويترز" خصومه في حل الأزمة بعيداً عنه: "ماذا لو أنني تخليت عن هذه القضية هل يستطيعون حلها بالشكل الذي يجعل العملية السياسية تستمر؟... أنا قلتها في السابق اعتبروا المالكي غير موجود في العملية السياسية... اتفقوا على مرشح انتم والعراقية والتحالف الكردستاني ونشوف.. لكن لا يستطيعون".

المالكي اعترف:"نعم نحن كشخص وككتلة جزء من المشكلة، لأننا نمتلك القناعة والتصور ونريد النجاح... ولا يمكن لنا وتحت الضغط الذي يروج له الإعلام ان نتخلى عن مسؤوليتنا... قناعتنا ينبغي ان تحترم كما تحترم قناعة الآخرين".

إنه عراق ما بعد الغزو. إذن لا بديل عن المالكي من وجهة نظره، في بلد عدد سكانه /25/مليوناً. تأملوا وللحظات، أن نساء العراق لم تنجب منذ ثلاثين عاماً قادة أقوياء أشداء ليقودوا العراق إلى بر الأمان. وحده نوري المالكي يستطيع تحمّل المهمة الشّاقة ويملك الرؤية و"القناعة والتصور ويريد النجاح"، أما الآخرون فباختصار لاشيء لديهم.. لذلك يستطيع المالكي تحدي خصومه لأنه يعرف أن وحدة العراق ونهضة العراق ومستقبل العراق متوقف عليه!! وهو وصف مطالبة الآخرين له بالرحيل بأنها ديكتاتورية. إذا لم تكن رؤيته بأنه لا بديل عنه حالة ديكتاتورية، فماذا هي إذن!!

ماذا حقق المالكي في فترة رئاسته للحكومة العراقية خلال السنوات الماضية من إنجازات حتى يحقّ له التشبث بولاية جديدة؛.... لم ينخفض عدد اللاجئين في بلاد الغربة ولم يعد المهجّرون والمشردون، لم تتوقف العمليات الإرهابية في المدن العراقية ولم يتوقف عدد الأرامل والمشوهين عن التزايد، ولم تتوقف قوافل القتلى اليومية في كل أنحاء العراق وصار الحديث اليومي عن عدد جديد من الشهداء عادياً!!

من قال للسيد المالكي أنه "وحده" يريد النجاح، وأنه "وحده" لديه الرؤية الثاقبة لضمان مستقبل العراق!؟ الحمد لله أنه أقر أنه جزء من المشكلة. لكن المشكلة أبعد من ذلك بكثير. المشكلة في العراق أن الأطياف العراقية تريد تقاسم الكعكة العراقية، كلٌّ بقدر ما يستطيع. الأحزاب والطوائف وقادة الكتل السياسية وزعماء العشائر، كلهم يريدون الحصة الأكبر من مغانم العراق المنتهك السيادة والجريح بوجود آلاف الجنود الغرباء المحتلين على أرضه.

ولذلك، لم تغب "لغة الحصص والمحاصصة في تأليف الحكومة" عن حديث السيد المالكي، وربما هذا ما يعكس جوهر المشكلة في تأخير تأليف الحكومة العراقية منذ ستة أشهر حتى الآن..

المالكي استبعد ان يكون "لأزمة تأليف الحكومة أي تأثير على الاستثمار في العراق". ومن لا يخالفه الرأي!! فعدم تشكيل الحكومة العراقية مؤشر هام على عدم استقرار البلد. ومن يحترم بلداً لا يستطيع تشكيل حكومة تكونُ سلطة سياسية تمثله وتمارس سيادتها على شعبه؟ بالتأكيد سيتأثر الاستثمار والمصالح الاقتصادية والسياسية للدولة وسمعة العراق وعلاقاته المتنوعة و"هيبة العراق" بتأخر تشكيل حكومته.

المالكي جزء من المشكلة، والقادة الآخرون أجزاء أخرى من المشكلة المستمرة منذ ستة أشهر، بل منذ ست سنوات وأكثر. أما الحلّ، فكلهم ليسوا أجزاء منه، على الأقل، حتى الآن. والسبب بسيط؛ أنهم جميعاً يقدّمون مصالحهم وحصصهم من كعكة العراق على مصلحة العراق العليا.. يريدون السيطرة على المفاصل التي تتحكم بإدارة العراق ككل ليمكنوا من اغتنام أكبر الحصص.

هل المالكي هو الشخصية الوحيدة التي يلتف حولها العراقيون!؟ أبداً. هل توجد شخصية أخرى غيره يلتف حولها العراقيون، نأمل ذلك ولابد أنها موجودة. ولكن تذكيرَ المالكي في حديثه بـ"عودة تنظيم "القاعدة" والجماعات المسلحة والميليشيات التي كانت السبب في إغراق العراق في بحر من الدماء" ليس شعاراً يستحق الثناء عليه لتتم إعادته على أساسه لرئاسة الحكومة لولاية جديدة.

المالكي جدّد دعوته الدول الإقليمية والدولية الى عدم التدخل في الشأن العراقي، وخصوصاً في مسألة تأليف الحكومة، معتبراً أن "تدخلهم هو من عقد المشكلة". قد يكون على حق. ولكن من يدخل الأطراف الإقليمية والدولية إلى العراق!؟ أليس العراقيون أنفسهم هم من يقومون بذلك؟ أليس وجود آلاف الجنود الأجانب على أرض العراق هو بحدِّ ذاته تدخلٌ سافر وأكبر من أي تدخل آخر وله التأثير الأخطر على الوضع العراقي..

لم يتوانى المالكي في حديثه عن تحديد مواصفات رئيس الحكومة العتيد بأنه يجب ان يكون "رجلٌ يعرف حقيقة خريطة التحديات الموجودة سواء كانت دبلوماسية أو على مستوى العلاقات الخارجية أو الداخلية". لم يبق إلا أن يقول ان اسمه نوري المالكي، والناس ستعرفه بسهوله. فمن غيره يعرف خريطة التحديات وخريطة الطريق للخروج من هذه التحديات إلى الأبد!!

لقد تحدث المالكي عن مشاكل العراق وصنّف نفسه وكتلته إحدى المشاكل وانتهى إلى تدخل الدول. أجل مشاكل العراق تبدأ بقادته ورؤيتهم ونظرتهم له كبقرة حلوب.. ومشكلة العراق أنه سيواجه قريباً التزامات بجداول زمنية عسكرية تتمثل في سحب الولايات المتحدة قواتها القتالية من العراق نهاية آب الجاري.. ومشكلة العراق أن القوات العراقية الحديثة التجهيز والتدريب ستواجه التحدي لملء الفراغ الأمني والعسكري الذي سيخلّفه انسحاب القوات الأميركية من العراق.. ومشكلة العراق القواعد العسكرية الأميركية التي ستبقى بعد الانسحاب.. ومشكلة العراق أنه خزان من النفط والكل يرغب بحصة منه.. ومشكلة العراق الأولى والكبيرة والأعمق أنه تحوّل "حصصا" للتقاسم بنظر القائمين عليه وبنظر الدول الخارجية.. ومشكلة العراق الموحد أنه عربي وكان خطراً على العدو الإسرائيلي.. مشاكل العراق كثيرة جداً.. حمى الله العراق وأهله وأعانه على الخروج من مِحَنه.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.