تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كفى نفاقاً: أمريكاوإسرائيل تعرفان رئيس مصر القادم

 

محمّد صالح مجيّد

محطة أخبار سورية

راجت في وسائل إعلام عربيّة وغربيّة مؤخّرا شائعات حامت حول صحّة الرئيس المصري "حسني مبارك" الذي يحكم البلاد، بقانون الطوارئ، منذ اغتيال الرئيس "أنور السادات" سنة 1981. وتعالت صيحات الفزع، هنا وهناك، تستشعر خطر الفراغ الذي يمكن أن يسببه اختفاء "حسني مبارك" لأيّ سبب من الأسباب.

 

وليس غريبا أو مستبعدا، أن تكون إسرائيل أوّل من يقف وراء تغذية هذه الإشاعات لغايات سياسيّة آنيّة ومستقبليّة. فكلّ ما يعزّز الحيرة في مصر وغيرها من الدول العربيّة، وكلّ ما يزعزع الثوابت، ويبثّ الحيرة مِنْ شأنه أن يثبّت هذا الكيان رقما صعبا في معادلة الشرق الأوسط التي تُطبخ ببهارات تتغيّر وتتلوّن بألوان البيت الأبيض والأسود.

 

ولكنّ الإلحاح على دور إسرائيل في تعاظم دائرة هذه الشائعات، وجعلها تحتلّ صدارة الصحف ونشرات الأخبار لا يستوجب بالضرورة إلغاء دور أطراف أخرى غير بعيدة عن دائرة الحكم في مصر، تتعامل مع ما يجري بمنطق نفعيّ تريد من خلاله إيهام الرأي العام، في مصر وخارجها، بأن تعويض "حسني مبارك" ليس بالأمر الهيّن، وبأنّ خروجه من الساحة السياسيّة سيكون له أثر خطير على منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا على البيت الفلسطينيّ المهدّد بالانفجار من الداخل.

 

والحقيقة أنّ بكائيّة "مَنْ لنا بعدك" التي ترسّخت شعارا يتحصّن حوله مريدو كلّ حاكم أمست عنصرا ثابتا في كلّ أدبيات الأنظمة العربيّة التعبويّة التي ترسم للحاكم صورة نمطيّة تؤهّله ليخترق المُمكن الإنساني إلى المُعجز الغيبيّ، وحتّمت أن تظلّ عمليّة انتقال السلطة، والتداول السلمي عليها في الفضاء العربي الإسلاميّ عمليّة معقّدة تُحاط بأسوار من السريّة والتكتّم حتّى أمسى الخوض فيها مسألة مرتبطة دائما بأمن الدولة.

 

وإنّ ما حدث في جنازة "عبد الناصر" من بكاء وعويل وشعور باليتم بعد رحيل الرئيس أعطى صورة عن شعب عربيّ يؤبّد الحاكم، ويتمسّك به حبل نجاة ما دام على قيد الحياة. فتأبيد السلطة ظاهرة سياسيّة سلبيّة لكنّ الإنصاف يقضي بألّا نحمّل الحاكم وحده وزرها؛ بل لعلّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعب متى ارتبط وجدانيا بالحاكم- طوعا أو كرها- ولم يدرك أنّ هذا الذي يحكم- وإن كان عادلا- يجب أن يترك السلطة لغيره كي يواصل ما بدأه أو كي ينقذه من وهم الجنة التي يعيش فيها بالترقب والوعود المؤجّلة.. ورغم يقين أنصار الحاكم ومقرّبيه بأنّ خلوده في السلطة- مهما طال حكمه- مسألة لا تتماشى وطبيعة الحياة البشريّة وبأنّ الوقوف بعناد في وجه الحتميّ عمليّة انتحاريّة عاجلة أم آجلة فإنّ حرصهم على مناصبهم ومنافعهم يدفعهم إلى جعل المستحيل ممكنا.

 

وها هي الأخبار التي تحوم حول صحة الرئيس المصري "حسني مبارك" تدفع باتجاه حالة من الاستنفار والترقب، وتوهم بأنّ صحّة الرئيس متى تعكّرت زلزال يمكن أن يدكّ الشرق الأوسط بأكمله!! لكن هل الدول الكبرى وفي مقدّمتها أمريكا غافلة عمّا يجري فلم ترسم بَعْدُ خارطة احتواء ما سيقع!؟

 

إنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة التي لا تؤمن بالصدفة، وبقرارات اللحظات الأخيرة المرتجلة، استشعرت الخطر منذ مدّة، وحصرت دائرة اهتمامها في أشخاص تُعوّل عليهم لمواصلة ما أنجزه "مبارك"؛ وفي الغالب هي قد حسمت أمر الخليفة الذي يجب ألاّ يكون منبوذا من الشّعب الذي تحمّل فوق طاقته على مدى عقود، وألّا يبتعد عن سياسة سلفه، وإن أضحت على اقتناع بضرورة تغيير الخطاب السياسيّ في مصر، وتطعيمه بما يحمل في طياته مسكّنات للوجع الذي أصاب المواطن المصري الجريح وجعله لا يرى الأشياء دائما على حقيقتها. وما "البرادعي" في نهاية الأمر إلّا بالون اختبار أرادت من خلاله تبيّن متى تعلّق المصريين بالتغيير حتّى وإن سار فيه الخلف على طريق السّلف. فهل هذا الفيزيائيّ أقلّ ارتباطا بأمريكا من منافسيه!!!؟؟

 

في "بولونيا" الخارجة للتوّ من نظام شموليّ محنّط، مات الرئيس وأغلب مساعديه وكبار قادة الجيش، ومع ذلك استيقظت البلاد من حزنها وتحاملت على جراحها، وبسرعة انتُخب رئيس جديد إيمانا من الناس بطاقة البلاد الخلاقة وبقدرتها على التجديد. نحن- عامّة وخاصّة- من دون الأمم، أمّة التأبيد.. نحن أعداء التجديد ولا نؤمن بالتغيير، نرسمه خفية على شفاهنا وترتعش أيدينا عندما نباشره فلا نقوى عليه. فالشعب الذي ينادي بالتداول السلمي على السلطة وبالتغيير هو نفسه الذي يندفع بمشاعره المتأججة غضبا، وينخرط في سب الحاكم بمجرّد تنحيته.

 

وما لم تتخلّص العامّة من تأليه الشخص القائد الرمز والمرجع والحاضر والمستقبل، ومن رفعه عن منزلة البشر، وما لم يقع التعاطي مع الحاكم على أنّه إنسان لا يجب أن يُعظّم عندما يكون في السلطة، ولا يجب أن يُهان عندما يغادرها مُكرها، فإنّ مبدأ التداول السلميّ على السلطة سيظلّ مُعطّلا إلى ما لا نهاية له، ومكبّلا بصور التاريخ المظلمة التي تكشف عن بشاعة الانتقام ممّن فقد السلطة.

نقلا عن العرب أونلاين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.