تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عودة الله: صرخات طفل فلسطيني "اتركوا أبي"

 

محطة أخبار سورية

"آه، يا جيلَ الخياناتِ، ويا جيلَ العمولات، ويا جيلَ النفاياتِ ويا جيلَ الدعارة، سوفَ يجتاحُكَ- مهما أبطأَ التاريخُ- أطفالُ الحجارة". من الأشياء البديهية المتعارف عليها أن يقوم الأب بحماية أطفاله، إلا في فلسطين المحتلة المنكوبة حيث نشاهد أمرا مغايرا لما هو متعارف عليه، وهو قيام الطفل بحماية والده، ويحاول ببراءة الطفولة وعفويتها الوقوف في وجه جنود الاحتلال الصهيوني البغيض ويمنعهم من اعتقال والده مكسور الجناحين، ويصرخ بأعلى صوته صرخته المدوية مخاطبا الجندي الصهيوني"يا كلب يا سافل أريد أبي..أعطوني أبي".. إنها كلمات خرجت من حنجرة محروقة ومخنوقة، حنجرة الطفل خالد الجعبري ابن مدينة الخليل وعمره أربعة أعوام، الذي دافع ببسالة وهو حافي القدمين لكنه كان مليئا بعزيمة الرجال، في وقت شح فيه الرجال، وقف وقفة الأسد محاولا منع الصهاينة من اعتقال والده.

 

إنهم قتلة الأطفال.. أيديهم ملطخة بدماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا.. مجازر لا تعد ولا تحصى ارتكبوها بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.. مجازر رفض التاريخ تسجيلها في محاضره من ضخامة وحشيتها.. إنهم الصهاينة، قلوبهم كانت أقسى من الحجر، فصرخات الطفل خالد لم تردعهم عن مواصلة الاعتقال والاعتداء، بل بادر الجنود إلى دفعه وسحب يديه اللتين كانتا تمسكان بشدة في قميص والده.

 

لقد اهتزت ضمائر الأحرار في جميع أنحاء المعمورة لمشاهدة وسماع صراخ هذا الطفل، إلا أن هذا الصراخ تلاشى على أعتاب التنسيق الأمني بين سلطة رام الله والكيان الصهيوني، والحوار المستمر بينهما للبدء في المفاوضات غير المباشرة والمباشرة.. مفاوضات استمرت أكثر من عقدين من الزمن لم تجلب لنا إلا الدمار، واعترف بفشلها صاحب كتاب "الحياة مفاوضات"، وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات.

 

إن صرخات هذا الطفل لم تصل بعد إلى الحكام العرب، فهم موتى لا حراك لهم، ولم تصل إلى إمارة غزة الإسلامية صاحبة النصر الإلهي. وهنا صدق الشاعر العربي الكبير أحمد مطر عندما قال: "أمس اتصلت بالأمل.. قلت له:هل ممكن، أن يخرج العطر لنا من الفسيخ والبصل؟ قال:أجل.. قلت: وهل يمكن أن تشعَل النار بالبلل؟، قال: أجل.. قلت: وهل من حنظل يمكن تقطير العسل؟، قال: أجل.. قلت: وهل يمكن وضع الأرض في جيب زحل؟، قال: نعم، بلى، أجل.. فكل شيء محتمل.. قلت: إذن عربنا سيشعرون بالخجل؟، قال: تعال ابصق على وجهي إذا هذا حصل".

 

لقد تمكن خالد ببراءته أن يدرك بأن الوسيلة الوحيدة لمنع الصهاينة من اعتقال والده هي المقاومة وليس غيرها.. وسيكبر خالد وستكبر معه عزته وعزيمته وبطولته وسيدرك ما غفل عنه القابعون في رام الله بأن المقاومة هي الطريق الوحيد والأوحد لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.

 

إنه لمن المؤكد بأن خالد وغيره من الأطفال من أبناء جيله سيركبون سفينة غير تلك التي يركبها صناع اتفاقيات الخزي والذل والعار من كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة.. إنهم سيبحرون في سفينة يبحر فيها جنوب لبنان ومقاومته الباسلة، هذه المقاومة التي كسرت وحطمت مقولة "الجيش الذي لا يقهر".

 

قصة هذا الطفل وغيرها علمتنا بل أكدت لنا بأن الإعلام الفلسطيني تبعي ولا يقل ركاكة عن الإعلام العربي، فالإعلام العربي بمجمله يفتقد إلى الاستقلالية ويتلقى أوامره من البيت الأبيض تماما كما هم الحكام العرب.. إنه إعلام لا يسمع ولا يرى إلا في دائرة لا يزيد قطرها عن متر واحد.. إنه إعلام الذل والقحط والهوان.

 

وكما بدأت مقالتي هذه بما قاله فارس الشعراء العرب الراحل نزار قباني في قصيدته "أطفال الحجارة"، أنهيها أيضا بصرخته المدوية التي أطلقها قبيل رحيله "متى يعلنون وفاة العرب" : "أنا.. بعْدَ خمسين عاما، أحاول تسجيل ما قد رأيت.. رأيتُ شعوبا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ أمْرٌ من الله.. مثلَ الصُداعِ.. ومثل الزُكامْ.. ومثلَ الجُذامِ.. ومثل الجَرَبْ.. رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ.. ولكنني.. ما رأيتُ العَرَبْ".

 

خالد الجعبري، هذا الطفل الفلسطيني العنيد لن يجره لا حكام العرب ولا مؤسساتهم، ولن تساعده حالة الانقسام الفلسطيني، فلا أذن تسمع ولا عين تبصر، فهو منسي كما مدينة الخليل.

 

تحية إجلال وإكبار إلى كل الشهداء والمعتقلين وإلى هذا الطفل الفلسطيني البطل الذي صرخ في وجه عدوه اللعين "اتركوا أبي".

د. صلاح عودة الله.. العرب أونلاين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.