محطة أخبار سورية
الحادثة تعود إلى نهاية عام 1993 وما كان يصلح خلال هذه الفترة كان صالحاً أيضاً خلال الأعوام التي تلتها حتى تاريخ 14 شباط 2005 أي تاريخ اغتيال الحريري، فدمشق كانت تنظر إلى شخص الرئيس رفيق الحريري حليفاً وشريكاً ليس فقط على الساحة اللبنانية، بل أيضاً على الساحة الدولية إذ كان الراحل لا يتردد في نقل الرسائل السورية وفي الدفاع عن مواقف دمشق وتسويقها في بعض الحالات عند دوائر القرار بالعواصم الغربية، وكان يتشاور مع القيادة السورية في شؤون لبنان كافة ولم يكن يوماً معارضاً للسياسة السورية في لبنان بل كان شريكاً حقيقياً للسوريين في بناء لبنان وترسيخ أمنه واستقراره.
وانطلاقاً من حقيقة العلاقة التي كانت تربط الحريري بدمشق، وبعد عمليات التشويه الكبرى التي أصابت حقيقة تلك العلاقة وشهود الزور والأكاذيب التي روجها مرتزقة لبنان طوال السنوات الخمس الماضية، وانكشافها اليوم أمام كل الرأي العام اللبناني والسوري والعربي والعالمي، فلا بد للجنة التحقيق الدولية أن تعيد التحقيق بدءاً بالدوافع السياسية الحقيقية التي أدت إلى اغتيال الحريري، ونقصد هنا المشروع السياسي الذي رسم للمنطقة وأوقفته المقاومة بانتصارها في حرب تموز عام 2006، وليس القرار 1559 الذي استندت إليه لجنة التحقيق «والتبعات السياسية لتطبيقه وتمديد ولاية الرئيس إميل لحود والدينامية الشخصية والسياسية التي تكونت بين الحريري وسياسيين آخرين وزعماء سياسيين في لبنان وسورية وبلدان أخرى والانتخابات النيابية التي كانت مقررة عام 2005» كما جاء في التقارير المتتالية للجنة التحقيق.
فكل هذه الأسباب مجتمعة أو منفردة لم تكن لتشكل أي تهديد لحياة الرئيس رفيق الحريري هي دوافع مفبركة مثلها مثل شهود الزور، أما الحقيقة فتكمن في الحقبة السياسية والمشروع السياسي الذي كان يحضر للمنطقة، وأقترح على اللجنة أن تبدأ بالاستماع إلى تصريحات ديك شيني وكوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد وجون بولتون ومن لف لفيفهم من صقور المحافظين الجدد وحلفائهم في لبنان، لتتمكن من كشف كل الحقيقة عن الجهة التي خططت ونفذت عملية الاغتيال، هذا إذا كان هدف اللجنة الكشف عن هوية الجناة الحقيقيين، فالحقيقة وكل الحقيقة تكمن في دوافع ذاك المشروع الذي كان يحبك للمنطقة وليس في الدوافع التي روج لها الشهود أو من يتهم ويشير إلى المقاومة التي كانت أيضاً حريصة كل الحرص على رفيق الحريري لما كان يمثله من ضمانة لها لبنانياً ودولياً.
المعلومة الثانية التي كشف عنها السيد نصر اللـه ولا تقل أهمية عن الأولى هي تلك التي تحدثت عن طلب أسرة الحريري من حزب اللـه المساعدة في الكشف عن هوية الجناة وكلفت من جهتها وسام حسن للمتابعة مع اللجان الأمنية في الحزب، وهذه المعلومة تؤكد أن أسرة الراحل لم تكن تشكك في أي لحظة بأن تكون سورية أو حزب اللـه مشاركين أو مخططين في عملية الاغتيال بدلالة طلبهم من الحزب، الحليف لسورية، المشاركة في التحقيق وكشف هوية المنفذين، فأسرة الحريري، وهي الأكثر قرباً ودراية بالعلاقة التي كانت تربط رفيق الحريري بسورية وحزب اللـه، لم تتهم يوماً دمشق أو المقاومة بالاغتيال إلى أن تولى سعد الحريري شؤون العائلة فتغير المسار، وانقسم آل الحريري بين مؤيد لاتهام سورية ومعارض، وبدأت المرحلة التي نعرفها ولا داعي للتذكير بتفاصيلها وانتهت يوم زار سعد الحريري دمشق، وهذا تاريخ ولا يمكن تجاهله.
هذه المعلومة يجب أن تلفت انتباه لجنة التحقيق الدولية لما تتضمن من صك براءة لحزب اللـه أولاً ولسورية وحلفائها في لبنان ثانياً، ما يحصر منفذي الاغتيال إما بمجموعة لبنانية كانت خارج السيطرة السورية، وإما بمجموعة إسرائيلية أو أميركية كانت في أرض الميدان وهنا نعود إلى كلام السيد وقضية العملاء والتصوير الجوي، وفي كلتا الحالتين سيكون على لجنة التحقيق أن تعيد التحقيق من بدايته واعتماد الدافع أو الدوافع الحقيقية للاغتيال وليس ما أفاد به شهود الزور وبعض من أطلق على نفسه صفة سياسي لبناني وكان شريكاً في تضليل التحقيق الدولي، وهؤلاء يجب اعتبارهم وتصنيفهم عملاء لإسرائيل لمشاركتهم ودورهم في تبرئة إسرائيل من دماء الحريري الحليف لسورية وحزب اللـه.
فما بني على باطل فهو باطل، وأي قرار ظني سيصدر بناء على الدوافع التي اعتمدت في التقارير السابقة هو باطل بكل تأكيد.