تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التعليم العالي ومستنقع الاختبارات!!

تحاول وزارة التعليم العالي في سورية جاهدة منذ فترة ايجاد الحلول الناجعة   لمشكلتين أساسيتين تواجههما؛ إحداهما، التعامل مع أعداد الطلبة الوافدين إلى مرحلة التعليم العالي أي الناجحين في الثانوية العامة، والأخرى، هي مواجهة الشهادات المزورة التي قد يعود بها بعض الطلبة السوريين الدارسين في الخارج حيث تريد الوزارة التأكد من كفاءة الجميع وتأهلهم بالمستوى المطلوب لتقوم بتعديل شهاداتهم والسماح لهم بمزاولة العمل في سورية.

 

في المسألة الأولى، يواجه التعليم العالي في سورية مشكلة كبيرة تتجلى في كيفية استيعاب أعداد الناجحين في الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي. وهذه المشكلة ليست وليدة المرحلة الحالية، وهي قديمة ومرتبطة بمشكلة التزايد السكاني الهائل في سورية والتي تفاقمها أكثر فأكثر، ومرتبطة بالإمكانات المحدودة للجامعات السورية وقدرتها على استيعاب أعداد هؤلاء الطلبة المتزايدة سنوياً.

ولمعالجة هذه المشكلة، سعت وزارة التعليم العالي في السنوات الماضية إلى توسيع الجامعات الحكومية القائمة وافتتاح جامعات أخرى وكليات وفروع أخرى لتطوير التعليم العالي ولاستيعاب أكبر عدد من الطلبة الراغبين بمواصلة التعليم العالي. كما سمحت بافتتاح الجامعات الخاصة في سورية في خطوة بدا حتى الآن أن دورها في حلّ مشكلة القبول الجامعي ما زال محدوداً وضيقاً.

وفي السنوات الأخيرة سلكت وزارة التعليم العالي طرقاً أخرى مدّعية أن هدفها "تطوير" القبول الجامعي. ومن هذه الخطوات إجراء امتحانات اختباريه للطلبة المتقدمين للتسجيل في الجامعات في فروع معينة. والجديد الذي أضافته الوزارة هو زيادة عدد هذه الاختبارات لتشمل مزيدا من الاختصاصات ومنها بعض فروع كليات الآداب.

والمشكلة ليست في إقرار هذا الإجراء فحسب، بل في تنفيذه. فالطالب الذي قد يحصل على علامة تامة في مادة اللغة الانكليزية في الشهادة الثانوية، مثلاً (علمي أو أدبي) قد لا يتمكّن من دخول الجامعة والتسجيل في فرع اللغة الانكليزية إذا لم ينجح في الاختبار الذي تجريه الوزارة لقبوله في الأدب الإنكليزي. والسؤال هنا: هل اختبار وزارة التعليم أكثر دقة من اختبار وزارة التربية وهل يعطي فكرة حقيقية عن مستوى الطالب ويعبّر عن رغبته كما تدعي الوزارة؟؟ وهل يعقل ان يخضع الطلاب لمثل هذا العدد من الاختبارات المتتابعة ؟؟؟ المشكلة ان إجراء الاختبار لا يتم بالصورة التي رسمتها الوزارة نظرياً ، وتشوبه الكثير من الشوائب ومنها الفوضى التي تحدث أثناء الاختباروقد نقلت وسائل الاعلام المحلية الكثير الكثير من الاشكالات والفوضى التي حصلت عن تنفيذ الاختبارات .. دون ان ننسى القلق الذي يصيب الطلبة الذين يأتون من المحافظات البعيدة ورهبة الأجواء الامتحانية الجديدة وهم الذين بالكاد انهوا امتحانات البكالوريا واجواءها المعروفة...وصولا إلى النقطة الأهم وهي الأمانة التي يتمتع بها هذا الاختبار( من حيث المراقبة والتصحيح والمساعدة والتزوير والواسطة....)، وهي موضع شك كبير وتحتاج آليات تنفيذ الاختبار الى الكثير من التنظيم والتحضير. وعليه، فإننا نشك بأن يحقق فرض هذه الأنواع من الاختبارات وبالطريقة التي تم ويتم إجراؤها بها، الغاية المرجوة منه فقد تحول الى شكل من عقبة جديدة في وجه الطلبة الساعين للوصول الى التعليم الجامعي .

وإذا كانت وزارة لتعليم العالي تريد التأكد من صحة ما نقول، ما عليها إلا ان تجري استطلاعاً بين الطلبة الذين خضعوا لمثل هذه الاختبارات وسترى النتيجة التي تؤكد بشكل أو بآخر فشل هذه الاختبارات وابتعادها عن الهدف الموضوع لها .

والخوف بعد الآن أن تتفتق ذهنية مشرّعي التعليم العالي عن ضرورة أن يخضع الطالب لدورات تأهيلية في الأدب الإنكليزي أو يحصل على شهادة "التوفل" قبل التقدم للاختبارات الجديدة مثلما يحصل في هندسة العمارة.

 

أما بالنسبة للاختبارات التي أقرتها وزارة التعليم العالي للطلبة العائدين من الخارج كشرط لتعديل شهاداتهم، فهي ضرورية جداً لاسيما في الاختصاصات الطبية. ولكننا نعود ونكرر أن العبرة في "حسن التنفيذ" والتطبيق السليم. فسنّ المراسيم والتشريعات وإصدار القرارات الحديثة التي تضبط المؤسسات التعليمية وتطوّرُها وتواكب التطور العلمي، أساسيٌ جداً لتطوير التعليم في سورية، ولكن الخوف أن تتحول هذه الاختبارات إلى مجال للابتزاز والرشوة. ومن الجدير ذكره ان هناك "إشاعات ثقيلة" تتردد في أوساط الخريجين المعنيين (نفترض أن هناك دخان بلا نار) عن مبالغ تدفع من قبل بعض الخريجين المضطرين للخضوع لهذه الاختبارات للنجاح فيها واجتيازها دون أي عناء..وتقول الأخبار أن من اشترى شهادته من دولة معينة لا يتوانى عن دفع مبلغ آخر للنجاح في الاختبار وتعديل شهادته.

المسألة ليست انتقاداً لوزارة التعليم العالي وقراراتها، بل هي للفت انتباه المعنيين في الوزارة وعلى رأسهم السيد الوزيرـ الذي نقدر حرصه على تطوير التعليم العالي في سوريةـ لضرورة متابعة القرارات والتعليمات التي تصدرها الوزارة والتأكد من حسن تطبيقها بالطريقة التي تحقق الغاية المرجوّة منها، ولمنع تحويلها إلى نافذة يتسلل منها المنتفعون والمخربون أو حتى للعودة عنها إذا وجدت الوزارة أن هذه القرارات لم تحقق الغاية المطلوبة...

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.