تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أطراف لبنانية في الدفاع عن إسرائيل ..أم؟

هزّ المؤتمر الصحافي الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (الاثنين 9/8/2010) الأوساط السياسية والإعلامية وحرّك الوضع اللبناني عندما فتح آفاقاً جديدة للتحقيق الدولي بقضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.

وما قدمه السيّد نصرالله، من قرائن وليس أدلة قطعية كما أشار هو نفسه، لا يشكّل دليلاً قضائياً مباشراً على مسؤولية إسرائيل لكن لم يعد ممكناً لأيّ تحقيق في جريمة اغتيال الحريري أن يستبعده، أو أن يُِستكمل، قبل الغوص والتدقيق في هذا الاحتمال في ضوء المعطيات التي أعلنها السيّد نصرالله.

وقد سارع المدعي العام الدولي القاضي دانيال بيلمار إلى المطالبة بإيداعه مضمون المؤتمر الصحافي وما تضمنه من قرائن ومعطيات، متلمساً بذلك بداية الطريق نحو أفق جديد للتحقيق، سيكون من المبكر الحكم على توجهه ونتيجته.

وإذا كانت خطوة بلمار إيجابية من حيث المبدأ، إلا أن المراحل السابقة من عمل لجنة التحقيق الدولية والتجربة السابقة لكل من سورية والضباط الأربعة، لا تجعل المرء ينام مطمئناً أبداً والشكوك بالتسيس تظل قائمة حتى يثبت العكس.

بالتأكيد، من المهم التركيز على جدية وأهمية ما عرضه السيد نصر الله، بنظر القائمين على المحكمة الدولية أولاً، وبنظر أهل الراحل الحريري ثانياً، وبنظر جهات كثيرة في لبنان ثالثاً، وبنظر العدو الإسرائيلي رابعاً، كطرف أصبح منذ الآن معنياً مباشرة بمسار المحكمة الدولية..

وسنحاول في الأسطر التالية الإجابة عن سؤالٍ بسيط جداً، لكنه مهم أيضاً ويدور في رأس الكثيرين ويثير فضولهم: لمصلحة مَن تقوم أطرافٌ لبنانية بالتقليل من أهمية ما قدمه نصر الله وما هي دوافعها وغاياتها، وإلى متى تستطيع هذه الأطراف السير في هذا المضمار؟

أولاً، المصلحة الشخصية. لقد عملت عدة شخصيات وأطراف وأحزاب لبنانية على اتهام سورية منذ اللحظة الأولى لاغتيال رفيق الحريري، وواظبت على ذلك قرابة الخمس سنوات الماضية وساهمت في فبركة الشهود والأدلة على قاعدة أن المتهم موجود والمطلوب هو إثبات التهمة عليه. وقد حاولت هذه الأطراف تحقيق مكاسب سياسية في لبنان على حساب سورية. وعندما لم تتمكن من إثبات إدعاءاتها رغم انحياز لجنة التحقيق الدولية لجانبها، تراجعت وقالت إن اتهامها لسورية كان اتهاماً سياسياً! وكان هذا التراجع بمثابة تغيير في الوسيلة لبلوغ الأهداف ليس أكثر.

وقد يكون إصرارها على إيجاد ضحية بديلة مرده أنها ستنكشف أمام آل الحريري وأمام الرأي العام اللبناني والعربي والدولي بأنها هي من عرقلت التحقيق طيلة السنوات الماضية وهي من فبركت شهود الزور، وانها المتهمة الحقيقية بإخفاء الحقيقة إن لم نقل أبعد وأكثر من ذلك، وقد تساق إلى المحكمة والمحاكمة، ولذلك ما تزال تعتمد الأسلوب نفسه في إنكار الحقائق وتضليل التحقيق واختراع العراقيل.

ثانياً، رفض الإقرار بالفشل. قد يكون السبب الذي دفع بعض الأطراف اللبنانية إلى تسخيف القرائن والمعطيات التي قدمها السيد نصر الله هو أن هذه الأطراف لا تريد أن تقرّ بأنها فشلت في خياراتها. ولعل المعطيات الجديدة أربكتها بسبب دقتها وتسلسلها وغنى محتواها، خاصة أنها هي التي أقدمت على نسج اتهامات لغيرها وتحديدا لسورية وأطراف لبنانية أخرى دون أدنى أدلة أو قرائن، كما أشار النائب سليمان فرنجية "السيد حسن نصرالله لم يتهم ولم يدن بل أعطى معطيات... وأنا كأي إنسان لبناني عادي أريد أن أقول ان هناك أشخاصاً أدانوا وحاكموا بقرائن أقل بكثير، أدانوا سورية وخربوا البلد خلال 4 سنوات، ومع أنه لم يكن لديهم سوى 1 في المئة من هذه المعطيات".

وعندما نتذكر أن النائب وليد جنبلاط، وهو الذي كان رأس الحربة في هذه القوى في المرحلة الماضية، قد اعترف بأن الاتهامات ضد سورية قد "بنيت على لا شيء"، وأنه طالب هذه القوى والأطراف بإجراء مراجعة موضوعية لمواقفها نتأكد أنها تحتاج فعلا لهذه المراجعة إذا لم تكن لديها أهداف أخرى تريد تحقيقها.

ثالثاً، سبب آخر، هو أن المعركة التي تخوضها هذه الأطراف لم تنته بعد. فهناك وسائل إعلام لبنانية "تبدو حزينة بسبب الاتهام الموجه الى إسرائيل" في قضية اغتيال الحريري، وهي بدأت دفاعها عن إسرائيل. والمستغرب ان يرفض سياسي لبناني هذه الاتهامات ضد إسرائيل. فرفض أو استبعاد اتهام إسرائيل هو بحد ذاته إهانة للرئيس رفيق الحريري وكأنه كان صديقا لإسرائيل، أو أن هذه الأطراف لا تريد ولا تقبل اتهام إسرائيل بالمطلق. وللتذكير فإن تاريخ إسرائيل حافل بالاغتيالات داخل إسرائيل وخارجها، في الوطن العربي وفي أوروبا وفي أماكن كثيرة من العالم وهذا ليس سرّاً، فلماذا لا تتجه أصابع هؤلاء إلى إسرائيل أبداً. وحتى عندما تواجه أحدهم باتهام إسرائيل فإنك تجده يحسّ بالحرج وكأنه مطالب بالدفاع عن موقفها وإثبات براءتها.

وهذا ما يدعو للقلق. إذ أنه وبعد الكشف عن هذا العدد الكبير من العملاء (150 عميل حتى الآن في بلد لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين ونصف)، يتبادر للذهن تقاطع المشروع الذي يمثله هؤلاء ويقفون من أجله في لبنان مع المشروع الإسرائيلي. وفي هذا السياق يمكن فهم الهجوم المستمر الذي تشنه هذه الأطراف على المقاومة وآخره محاولة إلصاق تهمة اغتيال الحريري بها والتعمد إلى الإساءة لدورها والتقليل من أهمية انتصارها في حرب تموز على إسرائيل. فمَن يعتبر انتصار المقاومة إضعافاً له غير إسرائيل ومن يقف في صفّها وخطّها!؟

رابعاً، طلب دانيال بلمار ودلالته. من الطبيعي اعتبار طلب بيلمار الحصول على القرائن التي قدمها نصر الله هو إقرار بأنها مهمة وهذا يعني منطقيا وقانونياً أنه سيدقق بها ويفحصها، وهذا بدوره يعني احتمال أن تكون إسرائيل هي من قامت باغتيال الحريري. وبمعنى آخر، فقد خالف طلب بلمار للقرائن والأدلة التي قدمها السيد نصر الله رؤية هؤلاء اللبنانيين وكذبهم. وقد يقود الأمر إلى تغيير نتيجة القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، لاسيما إذا اعتمد بلمار المهنية وإذا ما حصل على ما تبقى لدى حزب الله من معطيات وقرائن ووثائق وأدلة. فماذا يفعل هؤلاء ساعة إذن؟؟

وهذه الخطوة قد تقود إلى استجواب مسؤولين إسرائيليين في قضية اغتيال الحريري. وهذا يعني أن على إسرائيل أن تتعاون مع المحكمة الدولية، ويعني أيضاً أن التحقيق قد يكشف عن الفاعلين الحقيقيين ومن شارك وركّب وفبرك وموّل شهود الزور. ويعني أيضاً أن هؤلاء اللبنانيين قد يصبحون في قفص الاتهام، كل بحسب دوره ومستوى مشاركته.

خامساً، المشكلة هي أن هؤلاء أصبحوا ملكيين أكثر من الملك. فإذا كان بلمار قد طالب بإيداعه قرائن نصر الله، وإذا كانت كتلة المستقبل لم تدافع عن إسرائيل، و رحبت بما قدّمه نصر الله، فكيف لهذه القوى أن تقول عكس ذلك، وأن تسفّه وتسخّف وأن تحقّر ما قاله وما قدمه السيد نصر الله!؟ بل أكثر من ذلك، فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، قبل يومين، عن خبراء أمنيين إسرائيليين قولهم أنه كان بوسع حزب الله حتى العام 2006 أن يلتقط بلا صعوبة تقريبا بث الطائرات الإسرائيلية من دون طيار التي كانت تطير فوق لبنان. وقد فعل حزب الله ذلك من خلال معدات التقط بواسطتها صور الفيديو التي بثتها الطائرات الصغيرة نحو المحطة الأرضية الإسرائيلية. وإذا كانت إسرائيل نفسها قد اعترفت بقدرة حزب الله على اختراق بث صور طائراتها، فأي حديث بقي لهؤلاء، وهل يعقل ان يخرج أحدهم متحدثا عن ان ما عرضه حزب الله هوخرائط "غوغول ايرث " وهذا قمة الجهل الذي لاتتوقعه ممن يزعمون معرفتهم وفهمهم و"ثأافتهم " العالية ..وأي إنكار  أقدموا ويقدمون عليه!؟

ورقة التوت:

بعد تبدل المعطيات واتضاح الصورة، يهرب المقربون من إسرائيل إلى الأمام. يسابقون الزمن والواقع والحقائق والأدلة.. موضوعية السيد نصر الله أفقدتهم صوابهم. لا يريدون أن يعترفوا أو يصّدقوا، لا يهم. الناس تشاهد وتقرأ وتسمع وتستطيع أن تحكم.. لقد سقطت ورقة التوت عن هؤلاء.. والحقيقة التي يدّعون البحث عنها ويضللون طريق الوصول إليها، سوف تفضحهم أولاً وتكشف قصر نظرهم وضيق أفقهم ثانياً، وحقيقتهم ثالثاً، وقد تكون مدوّية عندما تعلن يوماً ما وتصم آذانهم. أما إذا استمر تشويه الحقائق ووضع العراقيل في طريق المحكمة، وإذا استمر الخداع واختلاق الأضاليل والأحابيل واستنبات المزيد من شهود الزور فقد يقود القرار الظني لبنان والمنطقة ..إلى نفقٍ جديد لا يعلم نهايته إلا الله..

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.