تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بين الهدر والفساد وسوء القرارات: الدولة تخسر المليارات!!

مصدر الصورة
SNS

 

تستوقف المتابع للاخبار المحلية في صحافتنا "الحكومية" و لثلاثة أيام متتالية في صحيفة تشرين "الرسمية"، بعض العناوين التي تتناول قضايا اقتصادية في سورية، ومنها:

تشرين 15/8/2010: ينفث 5ـ7 أطنان من سمومه في الساعة: معمل إسمنت عدرا ينتظر تركيب فلاتر قماشية منذ 2006. وفي عنوان مجاور: فقط في خمس سنوات: ست شركات كيميائية تحقق خسارة قيمتها 1,5 مليار ليرة.

 

تشرين 16/8/2010: 800 ألف ضبط استجرار غير مشروع للكهرباء خلال سبع سنوات.. خربوطلي سرقة الكهرباء جرأة على المال العام. وفي عنوان آخر: بسبب سوء التنفيذ والغش والاحتيال.. حرمان 46 متعهداً وشركة من التعاقد مع الدولة. وفي عنوان ثالث: وصل التلاعب إلى أكثر من ليتر في الصفيحة: إغلاق محطتي وقود بريف دمشق بسبب نقص الكيل.

 

 تشرين17/8/2010: قرار خاطئ يخسّر شركة الأسمدة نصف مليار ليرة شهرياً.. الكيميائية تتهم الإدارة بالتقصير وتحملها مسؤولية توقف العمل وتراكم المخازين.

 

هذا جزء يسير من بعض ما يمكن متابعته حول الاقتصاد  في سورية. وهذه العناوين  في صحيفة رسمية تورد أخبارا فقط  وليس تحليلات أو آراء بل  معلومات مؤكدة  بالمجمل عن شركات ومؤسسات رسمية ولا دخل للإعلام الخاص في الأمروهو المتهم بالتضليل والتضخيم والتشهير أو السعي إلى خبطة إعلامية على حساب المصداقية.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا  كيف ان سورية التي تربح معاركها السياسية الخارجية بكل جدارة  وتؤكد يوما بعد آخر دورها الريادي والمفتاحي في شؤون المنطقة ويسارع الجميع لزيارتها ولقاء رئيسها متحدثين عن حكمة السياسة السورية  والدور الاساس لها في ايجاد الحلول لاغلب مشاكل المنطقة ، سورية ذاتها لاتجد أحدا في حكومتها أو مسؤوليها التنفيذيين يعطيك تفسيرا لماذا تخسر معظم الشركات العامة في البلد، أويجيب عن سؤال آخر لماذا يعاني المواطن من الأزمات والغلاء وتتوقف مداخيل "ذوي الدخل المحدود" عند عتبة معينة، أويجيب عن سؤال ثالث لماذا انهار سد زيزون ولماذا نعاني من انقطاع الكهرباء والتقنين ولماذا تحولت الجزيرة السورية من خزان للطعام يموّل سورية إلى منطقة منكوبة تعتمد على المساعدات ويترك الالاف من أهلها أرضهم متوجهين الى حلب أو العاصمة ، ولماذا يتراكم إنتاج شركات معينة في المخازن وبمواصفات تفتقر إلى الجودة.. ولماذا ولماذا...الخ؟؟

المسألة في سورية باعتقادنا ، أولاً، هي مسألة إدارة مسؤولة لمؤسسات وهيئات  الدولة جميعها ..ادارة تعرف ماذا يحتاج الوطن وتعرف ما  تريد وتخطط كيف تصل إليه وقلبها على بلدها ومواطنيها وعمّالها وشركاتها ومؤسساتها . إذ كيف تنجح شركة خاصة وتحقق أرباحاً هائلة وهي تعمل بنفس المجال الذي تعمل فيه شركة أو مؤسسة حكومية خاسرة بشكل هائل مع التأكيد ان العاملين والادارة سوريون  في كلتا الجهتين  ؟

 إذن، الإدارة الفاشلة ستفشل الشركة التي تديرها عبر القرارات الفاشلة والغبية، أو عبر السياسات الخاطئة التي تتبعها، أو عبر تقديم أصحاب الولاءات على أصحاب الكفاءات الخلاقة...والنتيجة تحوّل الشركة أو المؤسسة إلى عبء على الدولة تكلّفها ملايين الليرات سنوياً بدل أن تقدّم هي هذه الملايين لرفد خزينة الدولة.

والمسألة ثانياً، هي مسألة هدر وفساد - لافرق ان كانا متعمدين أو عن جهل وتقصير. فإشعال الكهرباء في مكاتب موظفي الدولة دون حاجة، هو هدر للمال العام... ، وإنارة الشوارع نهاراً هي هدر للمال العام،.. وتغيير الأرصفة كل صيف في بعض شوارع العاصمة أو المدن الاخرى ؟؟؟هو هدر للمال العام،.. وقبول الرشوة تحت عناوين مختلفة (هدية، واسطة، إكرامية..) هو فساد وإفساد للمجتمع واضرار بالمصلحة العامة وبالمال العام وشكل آخر للهدر.... والتأخر في تنفيذ السياسات الحكومية والمشاريع الخدمية مما يؤدي للحاجة  إلى خطط بديلة وميزانيات جديدة، هو هدر للمال العام، ...وقيام بعض الموظفين  بجولات خارجية دون فائدة تعود على الدولة هو هدر للمال العام،... وتزوير وصرف الفواتير الوهمية في مجالات العمل كافة  هو هدر للمال العام،... واستخدام البنى التحتية بشكل سيء هو هدر للمال العام.. وكثيرة  الى درجة لاتعد هي وجوه للهدر والفساد في المال العام التي ترهق الميزانية والمواطن والوطن.

والمسألة ثالثاً، وهذا الاكثر ضررا للاقتصاد الوطني ..انه  سوء تنفيذ مشاريع عديدة في كل قطاعات الدولة؛ سواء في الطرق العامة أو في المباني أو في المشافي أو في أي مكان. ونقول  السوء في التنفيذ  لأن أغلب  هذه المنشآت ستحتاج بعد فترة وجيزة للترميم والإصلاح وهذا  يكلّف الدولة الكثير ويحرم مناطق أخرى من الخدمات الضرورية.. والمشكلة الاكبر هي  أن بعض منفذي "السوء" يتابعون تعهداتهم واستثماراتهم وكأن هناك من يغطّي عليهم ويخفي عيوبهم، أو كأن المعنيين لا يتابعون جودة تنفيذ المشاريع التي ينفذها هؤلاء.. ولعله من المفيد التأكيد والتذكير  أن التخريب أو التقصير المتعمد والإهمال المتعمد والضرر المتعمد بأي منشأة في الوطن لا يقل سوءاً  وضررا عن الخيانة والعمالة للعدو.

والوجه الآخر للمشكلة الاقتصادية في سورية أيضاً  هي أن بعض التجار يتاجرون بكل شيء دون النظر إلى جودة المواد التي تدخل إلى البلاد ومدى صلاحياتها ومدى الضرر الذي قد تسببه للمواطن السوري.. والامر ذاته مع المواد التي يصدرونها .. المهم عندهم الربح ثم الربح ومضاعفة رؤوس أموالهم بأي طريقة. وفي رمضان مثلا، بدل أن تنخفض الأسعار لخدمة المواطن ولخلق الألفة والمحبة يلجأ التجار إلى رفع الأسعار ويصبح الغلاء سيفا مسلطاً على الجميع ولاسيما الفقراء. وفي الصحف الرسمية نقرأ عن التلاعب بوزن الخبز أو جودته، أو عن المواد الغذائية المهرّبة التي لا تصلح للاستهلاك الآدمي، وندرك أن هناك من لايبالي بشيء سوى أن يكدّس المال في حسابه.

والمسألة رابعاً وهي الأهم؛ غياب الضمير والمحاسبة. الأساس هو الضمير المتيقظ عند البعض  و الغائب عند البعض الآخر ، والضمير هو الذي يحدد الموقف والدور  عند الجميع وإحساسهم بالمسؤولية. أخطر ما يمكن ان يسيء للوطن هو غفلة الوجدان والضمير عند بعض أبنائه. لكن عندما يقصّر عامل في عمله ولا تتم محاسبته "يستمرىء" التأخير والتقصير والتواني و تنتشر الفوضى،.. وعندما يقبل موظف معيّن رشوة ما ولا يحاسب عليها فإنه سيطالِب بها في المرّة المقبلة علناً،.. وعندما يقصّر مدير في تطوير إدارته ويبقى على رأس عمله فهذا سيدفعه إلى مزيد من التكاسل والتراخي والاضرار بالعمل ... وعندما يغشّ تاجر أو صاحب منشأة ولا تتم محاسبته فسيطوّر غشّه وتلاعبه،... وعندما يفسد متعاقد أو تغش شركة معينة في تنفيذ مشروع ما ويتم تجاهل ذلك من قبل الجهات الوصائية، فإن هذا المتعهد أو هذه الشركة سيتمادى في احتياله في المشاريع المقبلة....

الأمثلة كثيرة والمخالفات التي تقود إلى هدر المال العام وتضرّ بالبلاد تملك وجوهاً كثيرة وأساليب عديدة. وسورية ليست بلداً فقيرا إذا تم استخدام ثرواتها بالشكل الأمثل، وسورية تملك ذخراً من المؤهلين وأصحاب الكفاءات والاختصاص والإدارة. ولذلك فالمطلوب هو تطبيق القوانين ومحاسبة المقصّرين ووضع الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة لخدمة الوطن وتطويره ومنع المستفيدين من الخلل من العبث بمقدراته ومستقبله.

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.