تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فاسيلي فاسيليكوس

 

تبدأ رواية «فاسيلي فاسيليكوس» الشهيرة حين يقوم عدد من المجهولين بإطلاق النار وقتل النائب والناشط اليساري منتصف الليل في إحدى الساحات العامة بالعاصمة اليونانية أثينا، ويعهد بالتحقيق في الحادث إلى المدعي العام زد Z (والتي تحمل الرواية اسمه) الذي يقوده التحقيق إلى كشف العنف والفساد الذي كان يحيط بأجهزة الحكم والعسكر في اليونان في تلك الفترة.

وتم تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي فرنسي من إخراج المخرج اليوناني «كوستا غرافاس» عام 1969 مثل البطولة فيه الممثل الفرنسي الشهير «إيف مونتان» وشاركته الممثلة اليونانية       «إيرين باباس» الذي عرفها العالم العربي في النسخة الإنجليزية من فيلم «الرسالة» للمخرج الراحل «مصطفى العقاد»، والذي لعبت فيه دور «هند بنت عتبة»، وهو ذات الدور الذي لعبته فنانتنا السورية الكبيرة «منى واصف» في النسخة العربية، كما عرفناها في فيلم «أسد الصحراء» عن المجاهد الليبي «عمر المختار» بدور «مبروكة» والذي أخرجه المرحوم العقاد أيضاً، وكنا ونحن شباب في مقتبل العمر نفاخر بأن حضرنا زد عدة مرات، وهنا لا بد من التوضيح أن كلمة زد باللاتينية تعني إنه حي.

وقد أكسبت الرواية التي بناها فاسيليكوس على حادثة واقعية ونشرها عشية انقلاب العسكر وحكم ديكتاتورية الكولولنيلات في اليونان في 21-4-1967 والفيلم الذي اقتبس عنها الكاتب شهرة عالمية واسعة، حيث تم ترجمة الرواية إلى اثنين وثلاثين لغة من بينها اللغة العربية، وتم اعتبارها أيقونة في عالم الأدب السياسي، لكونها تصور بصدق الصدام السياسي الذي كان قائماً في اليونان بين القوى الوطنية اليسارية بزعامة السياسي اليوناني «جورج باباندريو» الأب والقوى الرجعية التي كانت متحالفة مع الإمبريالية الأمريكية والمصالح والاحتكارات ووكالة المخابرات المركزية CIA، بدءاً من إقالة الملك لباباندريو في تموز 1965، وحتى عودة الديمقراطية إلى اليونان وإنهاء الملكية وقيام الجمهورية في حزيران 1975.

ولد فاسيلي فاسيليكوس عام 1934 في جزيرة «ثاسوس اليونانية»، وترعرع في مدينة «تسالونيكي» وتخرج من كلية الحقوق فيها، ثم انتقل إلى العاصمة أثينا حيث عمل في مجال الصحافة والسياسة، تم نفيه من اليونان إثر الإنقلاب العسكري عام 1967 حيث استقر في فرنسا، وعاد إلى اليونان بعد سقوط الديكتاتورية الانقلابية العسكرية، وتولى ما بين عامي 1981-1984 مهام مدير التلفزيون اليوناني الرسمي، وأصبح عام 1996 سفيراً لليونان لدى منظمة اليونيسكو في باريس.

أصدر فاسيليكوس أكثر من مائة مؤلف في الرواية والشعر والمسرح، وتم ترجمة العديد من أعماله إلى لغات العالم، ومن أشهر أعماله: (الملك – الأحلام هي الأحلام – الصور – النبتة، البئر، الملاك – مساعد الحانوتي – بندقية صيد السمك – بضعة أشياء أعرفها عن غافكوس ثراساكيس – اللغة الأم – الكلمات الغريبة).

في روايته الجديدة «بعد المسيح» يواجه فاسيليكوس التعصب والغلو والتكفير ورفض الآخر عبر حكاية عالم الآثار الذي يحاول التنقيب عن بقايا الحضارات القديمة في جبل آثوس وهو المعتكف (دير الحبيس) الشهير للرهبان الذين يرفضون دخول أي كائن أنثوي إلى الجبل الواقع على قمة جزيرة في بحر إيجة، والذي كان أحد الأماكن المقدسة في عهود الإغريق القدامى، ليواجه بالرفض من الرهبان المتشددين الذي يطردونه من الجبل، لينطلق من هذا الحادث لوصف التعصب الديني والذي دمر العديد من منجزات العالم القديم، ومنجزات الإغريق القدامى الفكرية والفلسفية والأدبية والمعمارية بشكل خاص.

إن رواية «بعد المسيح» تعود لتؤكد أن التعصب والجهل والخرافة والأساطير وضيق الأفق ورفض الآخر لا دين له ولا جغرافيا، وأنه ظاهرة بشرية (سلبية مرضية) موجودة لدى بعض أتباع الأديان والمذاهب والطوائف، تماماً كما أن التسامح والاعتدال والمحبة والمودة واحترام وقبول الآخر موجود لديهم أيضاً.

ونختم بما قاله فاسيليكوس عن روايته: «..يذكرني هذا بالتكفيريين الاسلاميين الذين فجروا تماثيل بوذا(في باميان أفغانستان). الأمر عينه في اليونان فلو استطاع (الظلاميون اليونان) تدمير «البانتينيون» (الصرح المعماري الشهير لآلهة الإغريق القدامى في أثينا) ومحو كل آثار الزمن الغابر المتعدد الآلهة، لفعلوا ذلك».

علينا جميعاً أن نعمل على تفاعل الحضارات الإنسانية وتكاملها واستمراريتها لخدمة البشرية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.