تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التفاوت بين مستويات المدارس وانعكاساته على العملية التربوية!!

 محطة أخبار سورية

 

تقوم وزارة التربية ومنذ سنوات بإتباع وانتهاج وتنفيذ خطط متتالية لتطوير التعليم الأساسي والثانوي في سورية. وتحاول تطبيق نظام الدوام الصباحي في كل مدارس القطر، والتخلص من الدوام المسائي. وما نودّ لفت الانتباه إليه هو مشكلة أساسية تعاني منها بعض المدارس في المدن المزدحمة ولاسيما العاصمة، وينعكس تأثيرها على الأهالي والطلبة وتتفاقم تأثيراتها فيختلط الجيد بالسيئ، والحابل بالنابل، ويضيع الجهد بسبب الفوضى والتقصير؛ ونقصد التفاوت في مستوى المدارس من الناحية التعليمية والتنظيمية بشكل كبير، حتى في المنطقة الواحدة، ونتحدث عن مدارس العاصمة دمشق مثالاً.

والمشكلة، ونحن على أبواب عامٍ دراسيٍ جديد، تتلخص بأن هناك فروقاً كبيرة في مستويات التعليم بين المدارس ما يجعل الأهالي يقبلون على المدارس ذات السمعة الجيدة ويبتعدون عن المدارس الأقل شهرة وصيتاً مما يحدث خللا في توزيع الطلبة على المدارس. وهذا يترك نتائج سلبية وسيئة على الأهالي وأبنائهم وعلى العملية التربوية، لاسيما بعدما أقدمت وزارة التربية على إغلاق المعاهد الخاصة ومنعتها من تدريس المناهج التعليمية.

أولاً، الأهل يسعون للبحث عن أفضل المدارس وأكثرها شهرة لتسجيل أبنائهم فيها طمعاً بتحصيلهم أفضل الدرجات وهذا حقهم في ظل سياسة الوزارة المتبعة باعتماد العلامات مقياسا للتسجيل في التعليم المهني و التعليم العام أو في سياسة وزارة التعليم العالي  بالقضاء على سياسة الاستيعاب من خلال نظام المفاضلة . وهذا ما يستنزف وقت الاهالي  ومالهم.  إذ قد يكون الأهل من سكان مدينة قدسيا، بينما يسجلون أولادهم في البرامكة أو في المزة أو المهاجرين...الخ، بمعنى أن الأهل يسكنون في الغرب والمدرسة في شرق المدينة أو العكس.. وهذا يعني تأمين وصول الأبناء عبر استئجار حافلات تتقاضى تعويضاً شهرياً أو سنوياً كبيراً. وهذا بدوره يهدر وقتا كبيراً ـ لا يقلّ عن ساعتين يومياًـ من أيام الدراسة يفترض أنه مخصص بالنسبة للطالب، للتحضير والدراسة أو على الأقل للراحة. وهذاما يشكل ضغطاً على بعض مدارس مركز المدينة "الحسنة السمعة"  بسبب القادمين من الريف أو الأطراف.

ومع أن وزارة التربية تشدد على تسجيل الطلاب في المدارس القريبة من سكنهم، إلا أن تطبيق هذا القرار مستحيل لأن الوزارة نفسها تخالفه بسبب الاستثناءات التي تمررها من تحت الطاولة، ولأن الأهل لن يقبلوا أبداً بأن يُجبروا على تسجيل أولادهم في مدارس لا يرضون عنها مهما بلغت التكاليف.

ثانياَ، المدارس والعملية التربوية. إن حصول مدرسة على شهرة معينة يعني أن كل طلاب المدينة سيتجهون للتسجيل فيها بغية تحصيل الأفضل. ماذا يعني ذلك؟؟ يعني أن هذه المدرسة ستتحول إلى "مهاجع" مكتظة بالطلاب على اختلاف مستوياتهم ـ بعض المدارس يتجاوز عدد الطلاب في شعبها أكثر من خمسين طالب في الصف العاشر أو التاسع ـ وهذا يحرم أي مدرس مهما بلغ من قوة الشخصية والكفاءة المهنية من إعطاء وتقديم كل ما لديه، وبالتالي يتراجع مستوى المدرسة والطلاب فيها شيئاً فشيئاً، وهذا ما يحصل في الكثير من مدارس دمشق.

وبالمقابل، فإن المدرسة التي تتراجع سمعتها لأسباب معينة، يهجرها، الطلبة وأهلهم ويتحاشى المدرّسون التعليم فيها، فتتحول شعب التدريس فيها إلى شعب نموذجية من حيث عدد الطلاب، ولكن ليس من حيث التدريس والإدارة والانضباط وغياب المدرّسين أو التزامهم بساعات الدوام، أو حتى إعطاء كامل المنهاج الذي تعبت وزارة التربية سنوات لإنجازه. والنتيجة أيضاً تراجع العملية التربوية وتراجع مستوى الطلاب العلمي والتربوي في هذه المدارس.

لماذا التفاوت بين مستوى المدارس!؟

لم نتحدث عن تفاوت مستوى المدارس من فراغ، بل بعد جولة على عدد منها وملاحظة الفروقات على ارض الواقع. وقرار وزارة التربية تسجيل الطلاب في المناطق القريبة من سكنهم يعكس هذا التفاوت الذي يسعى الأهالي لردمه وتجاوزه. وهذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن "شرط" أن يترافق بعدد من الخطوات التي تدعمه وتحقق الفائدة منه وتقضي أو تقلل من التفاوت بين مستويات المدارس تعليمياً وانضباطياً.

ولعلّ السبب الأول للتفاوت بين المدارس هو ضعف إدارة المدرسة أو قوتها. فالإدارة الضعيفة تعكس ضعفها على كل العملية التربوية والتعليمية في المدرسة من حيث الالتزام بالنظام الذي سيؤثر على التزام المدرسين والطلبة، ومن حيث الالتزام بتدريس المنهاج كما هو مقرر، ومن حيث الجدية وتكريم المتفوقين ومعاقبة المقصرين والمتسيبين، وكل هذا يؤدي إلى "تراخي" العملية التعليمية والتربوية وتراجعها. أما الإدارة القوية، فإنها تفرض هيبتها بشكل صارم ـ دون استخدام العنف ـ وتحاسب المقصّرين من المدرّسين والطلبة وتعاقبهم لإصلاح اعوجاجهم، وإذا ما غاب مدرّس لعذر ما، سارعت إلى تلافي الفراغ الحاصل بسرعة. وهي تكافئ المجتهدين والمتميزين لتحفيزهم على بذل وتقديم المزيد، وتصرّ على تطبيق النظام وتبني شبكة علاقات مع الأهل وتطلعهم بشكل متواصل على نتائج أبناءهم وهو ما يساعد على شدّ العملية التربوية والتعليمية ودفعها إلى الأمام وضبط المدرسة مما يعطيها سمعة وهيبة ويجعل الإقبال عليها كبيراً.

والسبب الثاني في تفاوت مستوى المدارس، هو المدرّس نفسه. فالمدارس التي تضم عدداً من المدرّسين الأكفاء والمشهود لهم، تستقطب الطلبة والأهل، لأن الجميع من حيث المبدأ حريص على تحصيل الأفضل. ومعروف أن هناك عدداً من المدارس التي كسبت وعلى مدار السنوات شهرة وسمعة عريقتين تجاوزت حدود المنطقة الموجودة فيها. والسبب في ذلك، يرجع إلى حدٍّ كبير، لوجود عدد من المدرّسين الأكفاء الذين يعطون ويبذلون جهوداً دون كلل أو ملل، والذين ما إن تذكرهم حتى يعرفهم الكثيرون ويثنون عليهم..

والسؤال الذي يجب طرحه، هل قامت وتقوم وزارة التربية بتقييم المدرّسين الذين أدخلتهم وتدخلهم إلى سلك التعليم، لتحديد مستوياتهم وإمكانية تطويرها والوقوف على نشاطهم وقدرتهم على تنفيذ وتحقيق أهداف العملية التربوية والتعليمية!! هل خضع المدرّسون لدورات تأهيل في القيادة والإدارة كما يخضعون لدورات لتدريبهم على كيفية التعامل مع المناهج الجديدة؟؟

والسبب الثالث هو اختلاف مستوى الأهل والطلبة والتفاوت بينهم. ونقصد بالتحديد الطلبة والبيئة التي يتربون فيها. فالتفاوت بين الطلبة من حيث مستوى الوعي والتربية والاهتمام والجدّية، يؤثر على سلوك الطالب في المدرسة.. وكثيراً ما تُعرف مدرسة بطلابها المشاغبين، فيما تعرف أخرى بمستوى انضباطها، وما يعني ذلك من تأثيره على سمعة المدرسة سلباً أو إيجاباً. وفي هذا السياق، تبرز متابعة الأهل لأبنائهم خلال العام الدراسي مما يساعد في معرفة نقاط قوة وضعف الطالب، سواء في التحصيل العلمي أو في النشاط المدرسي أو في السلوك. والتواصل بين الأهل والمدرسة، يمكّن الطرفين من حصر مواطن الخلل إن وجدت ومعالجتها وإزالتها، وتعزيز نقاط القوة عند الطالب ودعمه وتحفيزه للاجتهاد وتقديم المزيد.

في النهاية، لا تُحلّ مسألة ردم الفجوات واختزال الفروقات بين المدارس بقرار يصدر عن وزير التربية. المسألة تحتاج إلى متابعة حثيثة  من جميع المستويات الادارية في الوزارة للتأكيد على التزام إدارات المدارس والمدرّسين والطلبة ـ أي أركان العملية التربويةـ بالقرارات التي تصدرها وزارة التربية والتأكد من حسن تطبيقها لما فيه مصلحة الجميع، ومحاسبة المقصّرين لأن في تقصيرهم إساءة للوطن وأبنائه ومستقبلهم الذي هو مستقبل الوطن  

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.