تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نجم: لغز الدم في معركة برج أبي حيدر

 

محطة أخبار سورية

فجأةً ومن دون سابق إنذار ومقدِّمات، وخلافًا للأجواء التي أشاعتها المراجع السياسيَّة عن تهدئة وفترة استقرار سياسي وأمني، خاصةً بعد القمَّة الثلاثيَّة التي جمعتْ في قصر بعبدا الرئيس اللبناني ميشال سليمان والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، والتي شدَّدت على ضرورة تحصين الوضع الداخلي اللبناني المتوتر أصلًا، وبعيدًا عن التوقُّعات التي تنبَّأتْ بمرور شهر رمضان المبارك في لبنان على خيرٍ، خاصةً في ظلّ المساعي لتأجيل صدور القرار الاتّهامي بجريمة اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، بعد تقديمِ حزب الله للقرائن التي تدين "الكيان الإسرائيلي" في هذه الجريمة.

 

خلافًا لكل ذلك اندلعتْ معركةٌ عنيفة بالأسلحة النارية والرشَّاشة والقذائف الصاروخية بين أنصار حزْب الله من جهةٍ وعناصر تابعة لجمعيَّة المشاريع المعروفة في بيروت بـ"الأحباش" من جهة أخرى، وقد استمرَّت الاشتباكات في أحياء برج أبي حيدر حوالي أربع ساعات تقطع فيها إطلاق النار والقذائف الصاروخيَّة، وكادتْ تمتدُّ إلى أحياء أخرى من بيروت لولا تدخُّل الجَيْش وقيادات الطرفين والمراجع العليا في الدولة؛ للحيلولة دون تفاقُم الوضع.

 

واللافت أن أسباب الاشتباك كما بات معروفًا ومعلنًا وحسب الرواية الرسمية للطرفين يعودُ إلى خلاف فردي على موقف سيارة في منطقة برج أبي حيدر قرب مركز تابع لجمعية الأحباش، وقد تطوَّر إلى اشتباكٍ ذَهَبَ ضحيته حسب آخر إحصائية أربعة قتلى وأكثر من خمسة عشر جريحًا، والمعروف أن الفريقين يفترض أنهما ينتميان إلى توجُّه سياسي واحد وأنهما كانا طيلةَ فترة الخمس سنوات الماضية في خندق مواجهة قوى 14 آذار، وهذا ما طرحَ العديد من الأسئلة، كما طرحَ علامة استفهام حول هذا اللغْز المحيّر؟؟ ولعلَّ ما جرى يطرحُ مجموعة معطيات لا بد من التوقُّف عندها.

 

المعطى الأول أن الاشتباك جرى في أحد أحياء بيروت الغربية، وبالقرب من مسجد يسيطرُ عليه ويديره الأحباش، والسبب المُعلَن للاشتباك هو خلاف على موقف سيارة، والطرف الآخر هو مسئول حزب الله في المنطقة، والمعروف أن الطرفين حليفان منذ أكثر من خمسِ سنوات، فالحزبُ على علاقةٍ طيبةٍ بسوريا، والأحباش كانوا في فترةِ الوجود السوري من أكثر القوى والجمعيَّات قربًا والتصاقًا بسوريا، وهناك تنسيق بين الطرفين طيلة الفترة الماضية، وعناصرهما في المنطقة يعرفون بعضهم البعض، وخاصة المسئولين من الطرفين، ومن المفترض أن يحلّ أكبر إشكال بشكل ودّي سريع دون أن يتطوَّر إلى اشتباك، وخاصة بالأسلحة.

 

المعطى الثاني: يتعلق بأن الأحباش على ما تقول الرواية الرسميَّة هم من بدءوا بإطلاق النار باتجاه مسئول حزب الله، والدليل أن المسئول سَقَطَ فورًا في أرضه قتيلًا، مع أحد مساعديه، ثم تطور الاشتباك وامتدَّ بعد ذلك في أكثر من اتجاه في محيط المنطقة، وقد كان واضحًا أنه في الوقت الذي استنفَرَ فيه حزبُ الله عناصرَه ومؤيديه بعد مقتل مسئولهم، كان الأحباش قد أحْكموا السيطرة على منطقة برج أبي حيدر، مانعين أيًّا كان من الدخول إليها، وترافَقَ ذلك مع ظهور مسلّح غير معروف الانتماء في أكثر من مكان من بيروت، كما وأنه كان واضحًا إصرارُهم على منع عناصر حزب الله من دخول المنطقة التي تَمَّ فيها قتل المسئول، فضلًا عن أنهم رفضوا تهديداتِ الحزْب باقتحام المنطقة لتسليم مطلقي النار، وبذلك ظلَّ الاشتباك قائمًا حتى قُرابة العاشرة والنصف ليلًا، حتى تَمَّ التوصُّل إلى اتفاق بين الطرفَيْن برعاية مخابرات الجيش اللبناني.

 

وهنا يطرحُ المتابعون سؤالًا عن سرّ هذا التصرُّف الذي قام به الأحباش، فالبعض وَضَعَ ما جرى في خانة الاشتباك السوري الإيراني كما كتبت جريدة اللواء اللبنانية، والتي تساءلت عن سرّ هذه الاندفاعَة لجمعية الأحباش، والمعروف أن الجمعية كانت تحظى بدعْم سوريا بشكلٍ كبير، كما أنه من المعروف أن رصيدَها في الشارع السنيّ تراجع كثيرًا بعد حادثة اغتيال الحريري الأب، فضلًا عن أن أحدًا لا يعرف أن الأحباش يملكون السلاح أو كانوا جُزْءًا من الميليشيات التي حملت السلاح سابقًا أو جزءًا من حركات المقاومة ضد الاحتلال، وبالتالي فإن الشيء المحيِّر هو في سر القوة التي اعتمدَ عليها هؤلاء في مواجهة أكبر قوَّة منظَّمة في لبنان تعجزُ الدولة عن مواجهتِها، فهل حقًّا هو خلاف سوري إيراني بدأ يظهرُ إلى العَلَن، أم أنها رسالةٌ سوريَّة في ضوْء المستجدَّات الجديدة.

 

البعض الآخر رأى فيما جرى إعادة تعويم لهذه الجمعيَّة من جديد بعد التراجع الذي أصابها منذ العام 2005، حيث كادت أن تفقدَ كلّ مكتسباتِها السابقة في الشارعين اللبناني والإسلامي السني لصالح جماعات أخرى إسلامية، وقد جَاءَ هذا الاشتباك لإعادة تعويمِها في الوسَط السني تحديدًا، خاصةً بعد تراجع تيار المستقبل، وبعد فتْح علاقة طبيعية بينه وبين سوريا، وبعد فشله في الدفاع عن بيروت في أحداث مايو من العام 2008.

 

بعد اشتباك برج أبي حيدر بات الأحباش من جديد رقمًا في الساحة البيروتيَّة، وباتوا ندًّا لحزب الله بنظر أهالي بيروت، مع كونهم أحدَ حلفائِه، وقد يكون ما جرى مقدمةً لإعطائهم دورًا أكبر في الأيام المقبِلَة.

 

وأما حزب الله فبكلّ تأكيد قد شكَّل الحادث بالنسبة إليه مفاجأةً كبرى، إذ إن الاحتكاكَ جاء هذه المرة من أحد الحُلَفاء، والمسرح مدينة بيروت في وقت ما زال الحزب يعيش تحت ضغط أحداث مايو 2008 ويحاول لَمْلَمة تداعياتِها، فضلًا عن أنه لا يريد بأي شكل من الأشكال أن يدخل في أية مواجهة مع أي طرفٍ في الداخل في هذه المرحلة التي تتوعَّد بها "إسرائيل" الحزب بضربة قويَّة.

 

قلة من اعتبر أن ما جرى رسالة تحذير من أيَّة فتنة يمكن أن يدخلَ البلد فيها على خلفية القرار الاتّهامي، خاصة وأن الأحباش كانوا في مرحلةٍ ما متَّهمين بالضلوع في جزْءٍ من الجريمة، وبالتالي هناك استبعادٌ كلي لهذه النظرية.

 

هذا الاشتباك شكَّل مفاجأةً لكل اللبنانيين، والحديث عن خلاف فردي لم يقبلْه أحد، على رغم الأجواء المشحونة في البلد، وقد شكَّل ذلك لغزًا حيَّر الكثيرين، ولكنَّ الكثيرين من الذين يعنيهم الأمر قد فكُّوا لُغزَه من الرصاصة الأولى التي أطلقت بدل قذيفة الإفطار.

نقلا عن العرب أونلاين.... وائل نجم

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.