تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الوطن يئن حزناً من قلة الرجال الأكفاء

محطة أخبار سورية

إن الوطن يئن حزناً من قلة الرجال الأكفاء لكل عمل من الأعمال ، فلينتهز ذوو البصيرة هذه الفرصة لخدمة الوطن، بمساعدة ذوي المواهب على إظهار مواهبهم.
 
هذا ما كتبه " محب الدين الخطيب " في جريدة " العاصمة " الدمشقية عام 1920 بعد اعلان قيام المملكة السورية و انتهاء الحكم العثماني ، واصفاً حال البلاد في تلك الفترة مقترحا الحلول للنهوض بالأمة .
 
 
نص المقال :
 
لقد مرّ على هذا الشرق الأدنى زمن قريب رأى فيه نهوض أوربا وأمريكا ، ويقظة اليابان التي هي شرقية أيضاً.
 
 فكانت هذه الأمم تسعى بكل اعتناء واهتمام لتمرين فتيانها على الأعمال و تنشيطهم فيها ، و تكافئ النابغين و تعرف لهم مقامهم في الهيئة الاجتماعية، ليتبارى أمثالهم في حلبة النبوغ .
 
بينما كان هذا حال الأمم الناهضة في القرن الماضي والذي قبله، كان أكثر حكامنا السالفين يسيرون في معكوس هذا الطريق فيقربون منهم حملة الأدمغة المظلمة، وطلاب المنافع الخسيسة، وذوي الجهالة المطبقة، وعشاق الجاه الكاذب.
 
يحاولون أن يديروا البلاد بمآرب هؤلاء ، وأن ينظروا إليها بأعينهم، وأن يسمعوا أخبارهم بآذانهم.
 
معلوم أن لهذه البطانة أساليب مزخرفة في تسويء سمعة كل ذي استعداد للنبوغ ، والعمل على إبعاده عن مجال الإصلاح، أو وضعه في المواضع التي لا تظهر فيها مواهبه، فيظل غريباً في وطنه، مخنوقاً في مواهبه ، محجوزاً بينه و بين إفادة المملكة و تبوء المكان اللائق به في مراكزها وفي نفوس عظمائها.
 
في اعتقادي أن الرجل الذي يكون حاصلاً على رأس المال المادي أو المعنوي ، وتكون له المواهب الكافية من إدراك وأخلاق، حرام عليه أن يتنحى، وحرام على غيره أن ينحيه عن مجال الخبرة و ميدان العمل، وهذا هو السبيل الوحيد لإيقاظ المواهب في الرجال.
 
أرأيت لو أن واضع أنظمة الانتخاب للدوائر البلدية و المجالس الإدارية لاحظ صفات أخرى غير الصفات المنصوص عليها في تلك الأنظمة، أما كانت هذه المجالس أقل جموداً مما نراها و أكثر نفعاً للبلاد، وكانت مدارس عملية لإيقاظ مواهب أبنائها و التدرج بهم إلى المراكز التي يكونون فيها عظماء فيكون الوطن بهم عظماء؟ ...
 
إن الذي يمعن النظر في حياة القسم الأكبر من مشاهير الرجال يرى أنهم كانوا من فقراء الناس وأوسطهم، وقد قيض الله لجرثومة المواهب المذخورة في نفوسهم أن تجد لها من يعني بتربيتها وتنميتها ووضعها في المكان المناسب لنشوئها و ازدهارها ، فكان للأمم منهم رجال عظماء رفعوا مكانتها و دفعوا عنها كثيراً من المصائب و المكاره .
 
في كلّ البلاد فتيان كثيرون لهم مثل تلك المواهب و كان في الإمكان أن يصلوا إلى مرتبة العبقرية و النبوغ لو تدرّجوا في المراكز الصالحة، فلم يتوصلوا إلى ذلك ، و ظلوا صغاراً في نظر الناس و نظر أنفسهم.
 
 و بعد فليس في الدنيا فضيلة مثل فضيلة وضع الشيء في محله اللائق به.
 
و ليس هناك أفضل من اكتشاف المواهب في نفس فتى يجهل الناس استعداد نفسه، فيساق هذا الفتى في طريق التمرين و الاختبار.
 
ولكم من معلم متوسط الحال لم يكن التاريخ ليشعر بوجوده لولا نبوغ رجل عظيم من تحت يده.
 
وكم من رجل عظيم وصل أعلى المقامات فلم يمنعه ذلك من الاستمرار على خفض جناح التواضع لمن أراد علماً ينتفع به.
 
إن الوطن يئن حزناً من قلة الرجال الأكفاء لكل عمل من الأعمال ، فلينتهز ذوو البصيرة هذه الفرصة لخدمة الوطن، بمساعدة ذوي المواهب على إظهار مواهبهم.
 
لينظر الذين سيضعون القوانين الجديدة كيف يحتالون بهذا الأمر، و ليعلم كل واحد ما بعد الآن أن من أعظم واجباتنا الوطنية إعداد الرجال الأكفاء للقيام بحاجات الوطن. 
 
 
محب الّدين الخطيب
 
من مواليد دمشق عام 1886   تعلم بها وبالآستانة ، شارك في إنشاء جمعية النهضة العربية ، و عمل في تحرير " المؤيد " .
 
عندما أعلنت في مكة الثورة العربية عام 1916م قصدها ، وحرر جريدة " القبلة " وحكم عليه الأتراك بالإعدام غيابياً.
 
لما جلا العثمانيون عن دمشق ، عاد إليها 1918م ، وتولى إدارة جريدة " العاصمة " ،فَرَّ بعد دخول الفرنسيين فاستقر في القاهرة ، وعمل محرراً في" الأهرام " .
 
أصدر مجلتيه " الزهراء " و " الفتح " ، توفي عام 1969 .
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.