تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صحف المحافظات السورية و لزوم ما لا يلزم!!

مصدر الصورة
SNS

تصدر في خمسة محافظات سورية صحف رسمية تابعة لمؤسسة "الوحدة" الموجودة في العاصمة دمشق. وهذه الصحف لها عالمها الخاص في التحرير والإدارة والاهتمامات والنظام والفوضى، ولكن الأهم أن عدد قرائها لا يتجاوز المئات لكل صحيفة في أحسن الاحوال ومع ذلك فهي ما تزال مستمرة في الصدور منذ سنوات، ولكن الاهتمام بها من قبل المؤسسة الأم "مؤسسة الوحدة"يأتي في المؤخرة.

ففي دير الزور تصدر صحيفة "الفرات" التي يفترض أنها تغطي أخبار وقضايا المنطقة الشرقية والجزيرة السورية(الحسكة ، الرقة ، دير الزور)، وفي حلب تصدر صحيفة "الجماهير" ويفترض أنها تغطي أخبار حلب وإدلب. وفي اللاذقية هناك صحيفة "الوحدة" لتغطية أخبار الساحل أي طرطوس واللاذقية. أما في حمص فتصدر صحيفة "العروبة" لتغطي أخبار حمص (بكاملها من تدمر إلى الحدود اللبنانية)، بينما يقابلها صحيفة "الفداء" في حماة التي يفترض أنها ستغطي أخبار المحافظة.. وهذه الصحف ورغم الأهمية الكبيرة لها  تشترك بسمات مشتركة  سلبية للاسف أولها  وأهمها أنها عديمة الجدوى والفائدة إعلامياً، ولاسيما بعد صدور صحف خاصة منافسة وأكثر مهنية وحرفية.. اضافة الى تطور وسائل الاعلام الاخرى والتي يأتي على رأسها التلفزيون والانترنيت ’مما أبعد المواطنين عن هذه الصحف المحلية رغم أنها تطورت في الدول الأخرى كثيرا وأخذت مكانة الصحف المركزية غالب الاحيان ... أما السبب في السلبيات التي تجمع بين صحفنا المحلية فهو يعود برأينا للتالي....

أولا، أن هذه الصحف بشكل عام لا تمتلك هوية خاصة بها. وتنشر في الغالب أخباراً لا تهم المواطن المقيم في هذه المحافظات أو أنها تنشر أخباراً يمكن وصفها بالأرشيفية وقد سبقها القارئ في الوصول اليها  ومعرفتها ولاسيما بوجود المحطات الفضائية والصحون اللاقطة التي تحتل  أسطح منازلنا. ولنكون أكثر دقة، فإن هذه الصحف لاتهتم بنشر أخبار أو تقارير أو تحقيقات "محلية" اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو حياتية... تهم الناس العاديين الموجودين في المحافظة التي تطبع فيها هذه الصحيفة أو تلك. وتتحوّل الصحيفة بدلا من ذلك، إلى التركيز على أخبار المسؤولين الموجودين في المحافظة وأولهم السادة المحافظون الذين تعجّ الصحف المحلية في المحافظات بأخبارهم؛ فتجد في الصفحة الأولى خبرين أو ثلاثة وحتى خمسة عن نشاطات المحافظ أو الجهات الأخرى المتنفذة في المحافظة.

ثانياً، غياب المهنية حيث  تفتقر صحف المحافظات السورية بالعموم إلى وجود الكوادر الصحفية المتخصصة. وهذا الغياب يترك أثره على نوعية الخبر والتحليل والتحقيق والتعليق. فأغلب العاملين في هذه الصحف هم "موظفون" يعملون بعقلية العمل الوظيفي وليسوا إعلاميين... وهؤلاء دخلوا العمل للحصول على لقمة عيشهم وقد تم تعيينهم من قبل المحافظين أو "بالواسطة". وعدد هؤلاء يفوق قدرة أي صحيفة على استيعابهم، وفي هذه الأعداد الكبيرة يضيع الجيد والمتخصص إن وجد بين الضعيف وغير المعني.. ويختلط الحابل بالنابل وينعكس ذلك على مستوى العمل التحريري والإخراج وكل العمل المهني وتكون النتيجة بالتالي منتج إعلامي اسمه صحيفة، لكنه لا يشبه الصحف إلا قليلا ...في الشكل.

وأثناء المشاركة في دورات تدريبية لرفع كفاءة هؤلاء، تبين أن بعضهم، وربما أكثر،  لا يجيد كتابة الخبر الصحفي ولا يعرف شروطه والأسئلة التي يفترض أن يجيب عنها، وبعضهم لا يميّز بين التحليل والتعليق أو بين التقرير والتحقيق والمقال.

ثالثاً، إدارة الصحف ورئاسة التحرير.وهي  مشكلة أخرى تفاقم ضعف هذه الصحف وغياب دورها لأنها في الغالب تُدار من قبل أشخاص يفتقدون التخصص والكفاءة المهنية والإدارية. وهذا ينعكس بدوره على العمل في هذه الصحف وعلى النظرة إلى أهمية المواضيع وتحديد الأولويات فيها. أيُّ خبر يحتلّ، مثلاً صدارة الصفحة الأولى وما هو العنوان المناسب، وما هي الصورة المناسبة...الخ.  والأمر لايعود إلى ضعف الإدارات والكفاءات فحسب، بل يعود في جانب منه إلى التأثيرات الخارجية في المحافظة؛ من المحافظين الذين يتدخلون في كل تفاصيل الصحيفة والعمل الصحفي والتحريري ويقررون المناسب وغير المناسب.. إلى أطراف أخرى متنفذة تعتبر نفسها سيدة العمل الإعلامي وتفهمه وتجيده وتقرر ما يجب عمله وما هو مقبول وغير مقبول..ولاتستطيع ادارات هذه الصحف أن ترد لتلك الأطراف طلبا...؟؟؟ 

رابعاً، غياب دعم الإدارة الإعلامية المركزية في العاصمة لهذه الصحف وعدم السعي إلى تطويرها؛ خاصة  مؤسسة الوحدة التي تتبع لها صحف المحافظات والتي لا تفعل شيئاً يذكر لتطوير العمل المهني والتحريري في هذه الصحف، ولا تتفهم حاجات رؤساء تحريرها في تأمين حدٍّ أدنى من الاستقلالية. والنتيجة مطبوعات بلا هوية ولا قيمة ولا فائدة ولا أحد يقرأها.. وتبقى هذه المؤسسات التي تقدّم هذه المطبوعات، مثلها مثل الكثير من شركات القطاع العام الخاسرة، تؤوي أعداداً كبيرة من القادرين على العمل.. العاطلين عنه وإن بشكل مقنّع.

ولو أن هناك حدّ أدنى من التقييم لأداء هذه الصحف وفعاليتها، لأمكن لحظ الكثير من الملاحظات التي ذكرت والتي لم تذكر. ويحضرنا سؤال هنا عن سبب التوزيع الجغرافي العشوائي لهذه الصحف؛ لماذا هناك صحيفة في حمص وأخرى في حماه مع أن المحافظتين لا تبعدان عن بعضهما أكثر من خمسين كيلومتراً وهما ليستا من المحافظات الكبيرة! وإذا كان القصد زيادة الوعي والثقافة وأي شيء منوط بدور هذه الصحف، فلماذا لم يتم استحداث ثلاثة صحف في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة مثلاً تركز على التنمية والحد من التزايد السكاني، ولماذا لم يتم استحداث صحف مماثلة في القنيطرة ودرعا والسويداءحيث لاتوجد في المنطقة الجنوبية أي صحيفة محلية ؟!

الخلاصة:

إن إلغاء هذه الصحف، إذا ما بقيت على ما هي عليه، أفضل من وجودها، لتوفير الهدر الذي تتسبب به ولتوجيه العاملين فيها إلى قطاعات منتجة بدل البقاء عاطلين عن العمل. أما إذا أردناها صحفاً حقيقية، فإن المطلوب توفير الدعم الحقيقي لها وتدريب الكوادر المؤهلة للعمل فيها، ورفدها "بإدارات" تحريرية وإدارية طموحة ومهنية وصاحبة قرار بعيداً عن الضغوط المختلفة، لتتمتع بقدر من الاستقلالية ولتتمكن من وضع أولويات لهذه الصحف تتناسب والهدف الحقيقي من إيجادها، بحيث تعالج في الدرجة الأولى القضايا التي تهم المحافظات الموجودة فيها؛ مشاكلها وهمومها وتسلط الضوء عليها وتعكس بالتالي صورتها واهتمامات الناس الذين يقرأونها، بشكل مهني وليس كما يرغب البعض في تحويلها إعلانات لنشاطاته أو خدمة ومتنفساً لأهوائه..



 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.