تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لو كنت مسؤولاً اقتصادياً سورياً..

محطة أخبار سورية

شخصية لبنانية سياسية مهمة ذات حضور وشعبية، وله قدراته على الاستقراء والاستشراف المستقبلي، قال لي على هامش حديث عن الاقتصاد السوري..

 

ہ لو كنت مسؤولاً اقتصادياً هنا لجعلت 70­80% من الأراضي السورية تتحول إلى الزراعة!!.. ‏

 

وعندما سألته عن الزراعات التي يقترحها أجاب: ‏

 

ہ زراعة الحبوب.. قمح، شعير.. ذرة صفراء فقط.. ولتبق الزراعات الأخرى من قطن وشوندر وأشجار مثمرة وخضر وفواكه.. إلخ!.. لكن الأولوية يجب أن تكون لزراعة الحبوب. ‏

 

ومع كلماته الأخيرة سرح بي الخيال لترتسم في ذهني صورة سورية الجنات ع مد النظر.. كما قال الفنان وديع الصافي، ومثل هذه الجنات لا نشبع من النظر إليها!.. ‏

 

لكن هل يمكن اختصار المسألة بالجمالية التي يضفيها اللون الأخضر أو الذهبي الذي ترسمه سنابل القمح قبل حصادها على أراضينا، أم إنه يمكن أن يكون للمسألة بعد آخر، بل أبعاد سياسية، واقتصادية، واجتماعية؟! ‏

 

بالتأكيد فإن طموح مختلف الدول هو تحقيق أمنها الغذائي الذي يمكن أن يكون دعامة أمنها الاقتصادي وأمانها الاجتماعي، ولدينا الإمكانية والقدرة لتكون سورية سلة غذاء شعبها ويفيض عنها للتصدير، وقد شكلت بعض مناطقها فيما سبق كحوران مثلاً سلة غذاء روما ولانزال ننظر إلى الجزيرة كسلة غذاء سورية رغم ما أصابها جرّاء سياسات لم تقدّر قيمة وأهمية الزراعة!.. ‏

 

إذاً ما الذي يمنعنا من أن نكون إحدى أبرز سلال الغذاء العالمية؟!.. ‏

 

لقد توجهت سورية نحو تشجيع الاستثمار في قطاعات هندسية وكيماوية وعقارية وغيرها، حتى تراجعت فيها الزراعة وتراجع نصيبها من المساهمة في الداخل القومي من نحو 24% إلى أقل من 17% والبعض يصل إلى نحو 14%، وهذا مؤشر خطير يمكن أن تكون له انعكاساته على أوضاعنا الاقتصادية، وعلى أمننا الغذائي وما يمكن أن يتصل بهما من ضغوط خارجية تحاول النيل من مواقفنا السياسية التي تحظى بتأييد كل مواطنينا.. وطبعاً يمكن أن نضيف إلى الزراعة الصناعات الغذائية والصناعات النسيجية، وهما قطاعان مرتبطان بالقطاع الزراعي، والنجاح فيهما متاح، وللسوريين خبراتهم المعروفة فيهما، ولاسيما في القطاع النسيجي، ويمكن أن يصنعا سمعة دولية للصناعة الغذائية والنسيجية السورية لا تضاهيها سمعة!!.. ‏

 

إذاً لماذا هذا الإصرار على دخول قطاعات لن نحقق فيها المنافسة، وسنبقى تابعين فيها تقنياً لغيرنا، ونهمل الزراعة؟!.. ‏

 

نحن -باعتقادي­ لا يجب أن نبحث عن صفات اقتصادية يمكن أن تضاف لاسم بلدنا، ليقال عنها إنها دولة صناعية، أو دولة سياحية، أو دولة نفطية، أو غير ذلك، لأننا مهما جهدنا فلن نحقق ذلك لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بإمكاناتنا وقدراتنا، وبعضها يتعلق بعدم قدرتنا على الحصول على تقانات فيما ننشد من صناعات، وإن حصلنا فلن نستطيع منافسة غيرنا!!.. وقد سعينا باتجاه تحقيق بعض تلك الصفات لكننا لم نفلح حتى الآن في تحقيق ما ننشد، وفوق ذلك أهملنا الزراعة، لذلك -للأسف­ لم نصبح دولة صناعية، ولم نستطع حتى الآن أن نأخذ دورنا الذي نستحقه في السياحة، كما لا ولن نفلح في تحقيق أية نجاحات عالمية في القطاعات المستوردة الأخرى، فأصبحنا كذلك الطير الذي حاول تقليد غيره من الطيور التي تتهادى في مشيتها، لكنه نسي كيف كان يمشي ولم يتعلم مشية الطير الذي حاول تقليده!.. لذلك دعونا نعد إلى الزراعة ونحن مؤهلون لها.. وسبق لسورية أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات أن اتجهت نحو القطاع الزراعي وأعطته الأولوية التي يستحقها حتى صرنا نعاني مشكلات الفائض والتسويق في كل المنتجات الزراعية، لكننا -للأسف­ نهمل اليوم هذا القطاع لنبدأ باستيراد كل المنتجات الزراعية من حبة البندورة إلى حبة القمح، ولتخرج مئات آلاف الهكتارات من الزراعة، ولتهاجر مئات آلاف العائلات التي كانت تعمل في هذا القطاع إلى المدن لتشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً عليها، مع ذلك نستمر نبتكر من الأساليب والأدوات التي ستؤدي إلى تراجع أكثر لهذا القطاع كتحرير أسعار الأسمدة والمحروقات وغيرها من مستلزمات الإنتاج الزراعي.. إلخ!.. ‏

 

وما يُقال عن دعم للمزارعين لا يتجاوز حتى الآن مرحلة الكلام، وإن كانت له بعض تطبيقاته على الواقع فلن يقدم ولن يؤخر بدليل ما نعايشه من تراجع لهذا القطاع حتى وصل الأمر لتدخل جهات دولية لتوزيع المساعدات الغذائية على الفلاحين في منطقة سبق وسميناها منطقة سلة غذاء سورية!!.. ‏

 

كل هذا يدفعني لطرح سؤال مرّ هو: ‏

 

ہ إلى أين نحن ذاهبون في هذا القطاع؟!.. ‏

 

ولأنني أخشى الإجابة عن هذا السؤال، لأنها قد تكون مؤلمة، أضع أمام من بيدهم أمر التخطيط والقرار الاقتصادي دعوة صريحة وواضحة ومباشرة للاهتمام بقطاع الزراعة وتحديداً زراعة الحبوب وإعطائه الأولوية في التوجيه والتخطيط والفعل، وتحفيز الاستثمارات فيه، لأننا لن نكون إلا بلداً زراعياً إذا أردنا أن نكون ونحقق حضوراً على الساحة الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية... وإلى جانب هذا القطاع يمكن أن نكون بلداً سياحياً في المرتبة الثانية، وبلد عبور وترانزيت في المرتبة الثالثة، وربما ننجح في أن يكون لنا دورنا في البرمجيات وصناعة المعرفة.. لكن لنهتم أولاً وأخيراً بالزراعة، وزراعة الحبوب أولاً، ويكفينا تدميراً للأراضي بحجة بناء منشآت ومدن صناعية وضواح عقارية وحتى منتجعات شاطئية.. ‏

 

فلننتبه إلى الزراعة.. ثم الزراعة.. ثم الزراعة.. والحبوب في مقدمتها!!.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.