تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوهام عربية وراء مهلة الشهر

  

يتضح من قرار لجنة المتابعة العربية بمساندة الرئيس الفلسطيني في تعليق المشاركة بالمفاوضات طالما استمر التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، أن اللجنة التي أعلنت أنها أمهلت الإدارة الأميركية شهرا لإقناع حكومة نتنياهو، إنما تعطي مهلة الشهر للرئيس الأميركي حتى يتم انتخاباته النصفية في مناخ يسوده الاعتقاد بمواصلة مساعيه مع معاونيه في البحث عن تسوية على المسار الفلسطيني، بعدما قدم للناخبين الأميركيين في صورة البيت الأبيض التي جمعته مع كل من نتنياهو ومحمود عباس والرئيس المصري والملك الأردني رسالة حول ما اعتبرته الدعاية الديمقراطية إنجازا للرئيس في مجال السياسة الخارجية، لكنه وبالقدر نفسه أثبت بعد ذلك التزامه الشديد بعدم إثارة حفيظة اللوبي الصهيوني من خلال الإذعان لشروط نتنياهو في إدارة التفاوض وفي أسلوب الرعاية الأميركية بالتفصيل.

أولا لجنة وزراء الخارجية لم تلتفت إلى تهويد القدس وحصرت همها بالبناء الاستيطاني في مستعمرات الضفة والذي لم يكن متوقفا بالأصل عندما شمله نتنياهو بقرار التجميد الجزئي لعشرة أشهر، في حين تفيد جميع التقارير بأن التكتلات الاستيطانية ومرافقها والمواقع العسكرية الصهيونية و جدار الفصل العنصري ، باتت تشغل أكثر من 45% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، في حين تتمادى عملية تهويد القدس التي سلم محمود عباس بالعودة إلى المفاوضات في ظل استمرارها ومع كل النتائج الخطيرة التي ترتبها في تغيير معالم المدينة وإزالة هويتها العربية المسيحية والإسلامية ، علما أن الاستيطان الصهيوني الناشط في القدس وضواحيها يتقدم عبر عمليات الطرد المستمرة للسكان الأصليين ومصادرة المباني والأراضي وإقامة المنشآت الاستيطانية التي تمول من الولايات المتحدة وتحظى بإعفاءات مالية من الحكومات الغربية بما في ذلك في دول الاتحاد الأوروبي.

الطريق إلى وقف مسار الإذعان للشروط الإسرائيلية، والذي امتد منذ اتفاق أوسلو واضح ومحدد وهو يفترض وضع حد لمنطق التعويل على الدور الأميركي والاستجابة لمتطلبات السياسة الأميركية في المنطقة من خلال إعاقة المصالحة الوطنية الفلسطينية واعتماد معادلة أولوية الصراع ضد النفوذ الإيراني وقبول السير في خيار التقرب من إسرائيل.

ثانيا  ظهر في الواقع العربي الرسمي خلال اجتماع اللجنة موقف سوري مختلف عن الأجواء التي درجت الدول العربية المسماة معتدلة على إشاعتها في انتظارها للتطمينات والضمانات الأميركية التي لم تقدم شيئا للفلسطينيين طيلة عشرين عاما في مجابهة المذابح والتطهير العرقي وعمليات التوسع الاستيطاني و النكول الإسرائيلي المتواصل بالاتفاقات و المرجعيات التي طفحت بها محاضر القمم و جلسات التفاوض .

يسود الوهم بعض الدوائر العربية بأن مهلة الشهر التي تنتهي مع الانتخابات النصفية قد تكون ضرورية لأن ما يسمى بعرب الاعتدال قد وعدوا بانتقال الإدارة الأميركية إلى لهجة أشد حسما في التعامل مع حكومة نتنياهو لأن الرئيس وإدارته سوف يكونان أقل خضوعا لضغوط اللوبي الصهيوني و يروج بعض العرب سيناريوهات لتسوية تفرض على إسرائيل بالقوة الأميركية الملزمة سبق للجنرال بيترايوس أن وعد بعضهم بها عندما جال طالبا دعم خطته العراقية.

ثالثا  الأوهام حول إقدام الإدارة الأميركية على فرض التسوية على إسرائيل سوف تسقط وتتصدع أمام مجموعة من العوامل التي ينبغي وضعها في الاعتبار و نورد أبرزها على الرغم من ترجيحنا لبقاء الواهمين على انصياعهم خلف السراب الأميركي :

العامل الأول، الاستحقاق الأميركي الذي يلي الانتخابات النصفية هو الاقتراب من بدء النقاش الجدي في خطط الحملات الانتخابية الرئاسية ومن الواضح أن قوة الإيباك داخل الحزب الديمقراطي ونفوذه في الكونغرس يمثلان بعدا أساسيا في عمل الإدارة الأميركية و في حسابات الرئيس أوباما المتصلة بترشحه لولاية ثانية وبالتالي فالحرص على مسايرة اللوبي الصهيوني سوف يتعزز ولن يتراجع خصوصا بعد استقالة رحام عمانوئيل وغيره من معاوني الرئيس المقربين إلى مجموعة جي ستريت.

العامل الثاني، مركزية موقع إسرائيل ودورها في الحساب الاستراتيجي الأميركي العام حول المنطقة ويتضح بشكل دقيق أن التصميم الأميركي على تعزيز القدرات العسكرية والإستراتيجية الإسرائيلية قد ظهر في سلوك إدارة أوباما على نحو يتخطى جميع العهود السابقة وبالتالي فان إعلان الإدارة عن تقيدها التام بعدم ممارسة الضغط على إسرائيل وبتوفير ما يدعى شروط الأمن الإسرائيلي كان وما يزال وسيبقى علامة فارقة في السياسات الأميركية وليس مجرد تعبير ظرفي عن مستلزمات الانتخابات النصفية.

العامل الثالث، طالما تتصرف بعض الدول العربية على أساس الالتحاق بالسياسة الأميركية في المنطقة وتناصب إيران العداء استجابة للتحريض الأميركي بينما يقيم بعضها تنسيقا سياسيا وأمنيا مع إسرائيل في السر والعلن فإن شيئا لن يفرض على الولايات المتحدة لمراجعة سياساتها وخياراتها في الصراع العربي ـ الإسرائيلي وطالما أن ما يسمى بمحور الاعتدال يرفض الانضمام إلى الجهود السورية لتنمية عناصر القوة واحتضان المقاومة في لبنان وفلسطين فان هذا الواقع يغري الأميركيين بالمضي قدما في تغليب الكفة الإسرائيلية وصولا إلى الإعداد لحروب كبرى بأموال العرب وتكرس لإحراق أرضهم وتبديد ثرواتهم كما حصل منذ ثلاثين عاما عند انتصار الثورة الإيرانية.

الوقت الذي يعطى لأوباما و يهدر من عمر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية في مناخ من الإفلاس السياسي الذي لا تستر عورته صيحات أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، جميع السادة الوزراء يعرفون الصواب ويسمعون الوصفة السورية في كل اجتماع ولكن الهمس الأميركي إلى العواصم المعنية ما يزال المهيمن على كل شيء

 

                                                                                                            غالب قنديل

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.