تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دولابي أكبر من دولابك

يبدو لي أن جل أصحاب العقول المحدودة غالباً ما يكونون على قناعة تامة بأنهم أذكى خلق اللـه وأنفذهم بصيرة وأعمقهم فهماً. أثناء حضورنا لمهرجان المعري الثالث عشر الذي أقيم قبل بضعة أشهر، قام المشاركون في المهرجان بزيارة لأبرز المواقع في المحافظة. تبعت الحافلة بسيارتي ومعي الأديبان الصديقان رشاد أبو شاور ومالك صقور، كان سائق الحافلة ينطلق بها كما لو أنه في سباق للهجن! ما اضطرني لتجاوز حدود السرعة مراراً كي ألحق به، ولما وصلنا إلى ضريح الخليفة الشهيد عمر بن عبد العزيز الذي اغتيل بالسم وانعدم وجود الشحاذين في دمشق خلال عهده القصير، عاتبت سائق الحافلة على عدم تقيده بحدود السرعة، فنظر إليّ من فوق كما لو أنني متخلف عقلياً وقال لي بذكاء منقطع النظير إنه لم يتجاوز حدود السرعة أبداً، لكنه سبقني لأن دولابه أكبر من دولابي. ومع أن الرجل كان يتكلم من كل عقله، إلا أننا اعتبرنا كلامه نكتة ناجحة وضحكنا عليها من حين لآخر.
قبل نحو ثلاثة أسابيع كنت قادماً من حماة إلى دمشق وعند مفرق قرية أم شرشوح رأيت حافلة نقل عام مسجلة في إدلب تقترب مني بسرعة عالية، كانت على يميني شاحنة قاطرة ومقطورة تسير بسرعة تسعين، وبما أنني كنت قد قمت بتثبيت سرعتي على مئة وعشرة كيلو مترات لم أفسح الطريق للحافلة، فاقتربت مني حتى كادت تلتصق بي. بعد قليل من تجاوز القاطرة اضطررت لتخفيف سرعتي إلى ثمانين لانسداد الطريق بقاطرتين تسيران جنباً إلى جنب، أخيراً تجاوزت القاطرتين ونظراً لأن سيارتي خفيفة فقد استعدت سقف السرعة- 110كم - وابتعدت عن الحافلة نحو مئة متر، عندها برزت على يميني قاطرة أخرى، قبل نحو عشرة أمتار من القاطرة كانت الحافلة قد التصقت بي تقريباً مطلقة أضواءها وزماميرها الصاخبة، فلم أفسح لها الطريق إلا بعد أن تجاوزت القاطرة، وعندما تجاوزتني الحافلة رأيت السائق يشير إلي أن أقف، فوقفت كي أسمع ماذا يمكن أن يقول.
نزل الرجل من السيارة فارداً يديه استعداداً للعراك صارخاً مثل أبو زيد «ودَّك تقلبني»! قلت له إن تجاوزه لحدود السرعة هو الذي يمكن أن يقلبه، فنظر إليّ نظرة سائق حافلة المعرة نفسها وكرر عبارته نفسها: «أنا لم أتجاوز حدود السرعة لكن دولابي أكبر من دولابك»!
شعرت أن مناقشة عبقري كهذا، أمر عقيم، فأخرجت ورقة ورحت أكتب رقم الباص، في تلك الأثناء سمعت أحد الركاب يهمس للسائق بأنني الصحفي فلان، فتحول أبو زيد الضرغام فجأة إلى طير يمام! ولم يتركني إلا بعد أن باس رأسي!
الأمر الأكيد هو أن جلّ الباصات والشاحنات لا تتقيد بحدود السرعة على الطرق الرئيسية، وقد قالت لي العصفورة إن هؤلاء السائقين النجباء يلجؤون لطريقة سحرية لإلغاء المخالفات أو تخفيض أسعارها. وسواء صح هذا أم لم يصح، أطالب بأتمتة مخالفات المرور لضمان حق الدولة وحق المواطن.

حسن م. يوسف   

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.