تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر في المرحلة الانتقالية.. ويجب ألا تطول؟؟

خاص/محطة أخبار سورية

 

أخذ النظام المصري المتداعي ورئيسه المخلوع حسني مبارك وقته قبل أن يرحل لترتيب أوضاعه، رغم وهج الثورة القوي والتظاهرات المليونية التي أفقدته صوابه. ولكن هذا النظام قرأ الدرس التونسي بشكل جيد، فكان تراجعه بطيئاً ومدروساً، وربما منظماً لتقليل الخسائر قدر الإمكان. وقد ساعده ذلك على تقليل خسائره وتمكن من التغطية على عدد من ملفات الفساد عبر إتلافها أو حرقها أو تهريبها، وتمكن معظم رموزه من الهروب أو من تهريب أموالهم  بطريقة يصعب بعدها محاسبتهم. وهو حاول من جانب آخر إفقاد التغيير الثوري الشعبي الزخم الذي كسبه والبريق الذي أحدثه عبر التحركات التي قامت بها الملايين في الشارع..

ورغم البطء الذي يعتمده ويتعمّده النظام المصري في خطواته التراجعية، ورغم البطء في تنفيذ مطالب الثوار والشعب، إلا أنه يمكن الإشارة على عدد من التغيرات التي ستبصر النور وتشكل بداية مرحلة جديدة، سيكون من الصعب بعدها التراجع إلى الوراء و إلى الحالة التي حكمت مصر منذ اتفاق كامب ديفيد عام 1979.

ولعلّ ما سيساعد على التوازن في السياسة الخارجية المصرية القادمة هو السماح بتشكيل أحزاب جديدة في مصر؛ متعددة الاتجاهات والأهواء قومية وسارية وإسلامية، مما سيمنع الحكومة المقبلة من انتهاج سياسة منغلقة أو بعيدة عن مصالح الشعب المصري وعن المحيط العربي والإسلامي، أو لا تساير الرأي العام في مصر.

والتغيير الأول الذي حدث هو انزياح الطبقة السياسية الاقتصادية التي كانت حاكمة وبروز طبقة سياسية جديدة، مما يعني إتباع سياسة خارجية جديدة تصبح مصر فيها فوق اتفاقية كامب ديفيد وليس تحتها. بمعنى؛ يصبح الإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد جزءاً من السياسة الخارجية لمصر في أحسن الأحوال، إن لم نقل إلغاء هذه الاتفاقية ومفاعيلها السياسية والاقتصادية، ولا تبقى سياسة مصر كلّها تدور في سياق هذه الاتفاقية ومع إسرائيل على حساب علاقات مصر الأخرى ولاسيما الإفريقية والعربية، وبمعنى أوسع الإقليمية.

وهذا التغيير يعني بكلام أوضح تفعيل سياسة مصر الخارجية ودورها وانتقالها إلى الفعل بدلا من ردّ الفعل، والاعتماد على البناء بدل التوجه السلبي أو التخريب. وهذا يتضمن تنشيط هذه السياسة باتجاه الدول العربية وخاصة دول مثل سورية والجزائر والسودان... وفي إفريقيا لمواجهة التحديات الجديدة ومنها مشكلة مياه نهر النيل التي بدأت دول منبعه تطالب بإعادة تقاسم الحصص، وكذلك مواجهة التغلغل الإسرائيلي الذي يلعب دوره في تسعير مشكلة المياه والتحريض على مصر.

وهذا التغيير سيسهّل الطريق أمام دول كانت ترى نفسها بعيدة في الفترة الماضية عن مصر وسياساتها، وقد مكّنها التغيير من التقرب من مصر. ولعلّ الأبرز في هذا الاتجاه زيارة الرئيس التركي عبد الله غل إلى مصر بالأمس وتأكيده على ضرورة استعادة الدور المصري الحيوي في المنطقة.

 وفي هذا السياق، فإذا ما تمكنت مصر من أن تكون نفسها، ومن انتهاج سياسة تقترب أكثر فأكثر من المثلث التركي ـ السوري ـ الإيراني( ولن يكون العراق والمملكة العربية السعودية ودول أخرى بعيدة عنه لاحقاً)، فهذا يعني قيام قوة سياسية واقتصادية لها وزنها ويحسب لها الحساب على المسرح الدولي.

وهذا يعني بالمقابل إضعاف الدور الإسرائيلي التخريبي في المنطقة وربما الإسراع في حلّ الكثير من القضايا العالقة والمزمنة في المنطقة بعد حدوث تغيير كبير وهائل في موازين القوى. فقد أعطت مصر حسني مبارك ولسنين طويلة إسرائيلَ الشعورَ بالاطمئنان وبأن هناك عمق إستراتيجي للكيان الصهيوني يمكن على الأقل الاعتماد على أن مصر لن تكون جبهة مفتوحة، وهو ما لم يعد كذلك منذ الآن، رغم عدم الحديث المصري عن الأوضاع مع إسرائيل.

ولقد طالب الدكتور محمد سليم العوا، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا، بإعادة النظر في علاقة مصر مع أمريكا وإسرائيل، مؤكدا أن التدخل الأمريكي في الشؤون المصرية غير مقبول، وأنه من الضروري الاستغناء عن المعونة الأمريكية، والاعتماد على ثروات مصر. وقال، في ندوة حول "ثورة 25 يناير والتطلعات المستقبلية"، إن مصر يجب أن تستعيد العلاقة الطبيعية مع إسرائيل كعدو لا حليف أو صديق، وبإثبات العداوة لا التطبيع، مع أهمية اعتبار الحالة بين البلدين حالة هدنة، لا حالة سلام. ودعا إلى وجود علاقات مصرية عربية إفريقية وطيدة (الخليج 4/3/2011).

لقد تغيرت مصر كثيراً، وأياً يكن شكل التغيير وحجمه، فلن تكون هناك عودة للوراء وتحديداً للوضع السابق. وهذا التغيير سينعكس على الأوضاع الداخلية في مصر وعلى سياسة مصر الخارجية في المحيط العربي والإقليمي والدولي.. ولكن المهم ألا تطول المرحلة الانتقالية حتى لا يتم تمييع الأمور وإفقاد الثورة زخمها وحرفها عن مسارها..

المطلوب في مصر العمل بسرعة، وليس بتسرّع والابتعاد عن الاستعجال والخطوات غير المدروسة.. قد يقول البعض أننا نبالغ أو أننا متفائلون أكثر من اللازم، لكنَّ مصر عادت قويّة من غيبتها، فأفسحوا لها في المجال!!

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.