تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل هم من المريخ؟

 

أخرج كل صباح لأستقل وسائط النقل العامة متوجها إلى عملي في شارع الثورة، و بين سائق السرفيس و سائق التكسي أخوض بعض النقاشات التي تدور في معظمها حول قوانين السير و حالة الفوضى التي يكرسها البعض من المشاة أو السائقين، و في كل مرة تكون وجهات النظر متطابقة حول ضرورة التقيد بالنظام للمارة و السائقين على حد سواء.

فهذا سائق سرفيس ينتقد عدم التقيد بالسير على الجانب الأيمن للطريق و لجوء السائقين إلى تخطي السرعة المحددة و تجاهل المواقف المخصصة للحافلات الصغيرة من قبل السائقين و الركاب، وآخر يدعو إلى القيادة الهادئة و المسؤولة و عدم اللجوء إلى الانعطاف المفاجئ للفوز براكب هنا و آخر هناك، و البعض يؤكدون على نظافة الحافلة من الداخل و الخارج و الحفاظ على مقاعدها أنيقة و مرتبة لاستقبال الزبائن، بل و يشتكون من بعض اللذين يكتبون رسائل غرامية و يمزقون المقعد في بعض الحالات.

و بدافع الحرص على مصادر رزقهم، يشن هؤلاء هجوما لاذعا على حافلات البلدية و المستثمرين من القطاع الخاص، فيتهمونهم بإحداث الفوضى و التسبب بازدحام شديد و خاصة في شوارع وسط المدينة، و لا يخفون خشيتهم من فقدان قوت يومهم من خلال اجتياح شركات النقل الخاصة لقطاع النقل الداخلي بأكمله.

و كسبا للوقت، أضطر إلى ركوب تكسي من مركز التجمع في "نهر عيشة" قاصدا شارع الثورة، وبينما يحتدم النقاش الغوغائي حول الثورات و الاحتجاجات في العالم العربي، على طريقة الدكتور فيصل القاسم، تنتشلني و صديقي السائق قوة غامضة مفاجئة ترفعنا عن المقاعد حتى يحول سقف السيارة دون خروجنا منها، لتطيح بنا ثانية حامدين الله على وجود أحزمة الأمان، و بعد التقصي و التحقيق يتبين أن "محدب صناعي" كان وراء هذه الخضة العنيفة، أو حفرة رفعت إلى جانبها لافتة تآكلها الصدأ تقول: "نأسف لإزعاجكم نعمل لأجلكم"، لتشكل هذه الحادثة منعطفا إجباريا في مسار الحديث فتكال الانتقادات لحالة الطرق و تبدأ التساؤلات حول الهندسة المعقدة لإنشاء طريق مستوي يؤمن الانسياب السلس لعجلات السيارة و الاحتكاك المطلوب.

و فيما يمكن تسميته "التعليق المباشر على الأحداث"، يبدي السائق امتعاضه من أبواق سيارة تبدو عليها أو على سائقها علائم الهيبة و المسؤولية هامسا لنفسه الأمارة بالسوء: "وين بدي روح الإشارة حمرة"، و بعد المسير أمتار قليلة، أرصد حالة متفشية لهواة قفز الحواجز، فهذا رجل شديد البأس يتكبد عناء تسلق الحاجز المعدني بين الطريقين متجنبا صعود درجات جسر المشاة و بالتالي توفير الكثير من الحريرات الثمينة التي من الممكن أن تؤثر سلبا على "كرش الوجاهة" ناهيك عن النسوان المغامرات اللاتي لا يتورعن عن التشمير عن سيقانهن ليقهرن (جدار التمييز بين الجنسين)  ليسارع صديقي سائق التكسي بالتعليق: "الدولة بتتكلف ملايين لتبني الجسور و الناس ما بتطلع عليها، و الشرطي واقف عم يتفرج ما فيون إلا علينا، لكن ..... ما في فانوس فوق راسو ولا نمرة على طيـ... شلون بدو يخالفو؟".

و لا بد من توجيه كلمة لأعدائه الطبيعيين سائقي السرفيس و باصات النقل الداخلي و الفوضى العارمة و الازدحام الخانق اللذين يتسببان بهما، بينما يطلق أبواق سيارته في حالة لا إرادية حيث لا داعي لإطلاقها، منتهيا إلى نتيجة مفادها ضرورة احترام القانون و الالتزام به من قبل الجميع.

و أثناء مسيرك مع صديق أو رفيق (مثقف) يوجه هذا الأخير انتقاداته للجميع، و يتحدث عن زياراته للدول الغربية واصفا بكثير من الرومانسية السلوك الحضاري لشعوبها، و تكاد تدمع عيناك و أنت تستقبل الذبذبات العاطفية الصادرة عنه و هو يسرد أمنياته في سلوك حضاري مماثل داخل مجتمعنا، و قبل أن تنتشي بحالة الكآبة التي يقحمك فيها، يبادرك بضرورة الإسراع إلى عبور الشارع مزكزكا بين السيارات المستعجلة لتخطي الإشارة المرورية قبل أن تتحول إلى اللون الأحمر، و لا يفوته أن يتصدى بصدر عار لشتائم بعض السائقين.

رحلة مضنية أخوض غمارها يوميا، و غالبا ما تنتهي بتساؤل عن ماهية تلك المخلوقات الدخيلة التي تتسبب بحالة الفوضى، و استذكر مقولة المرحوم عدنان بوظو قبيل مباراة منتخبنا للشباب مع المنتخب البرازيلي في نهائيات كأس العالم و التي خسرناها بستة أهداف لصفر "هل هم من المريخ؟".

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.