تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ساحات الثورة وساحات الحقد!

محطة أخبار سورية

 
 
أعاد ميدان التحرير في القاهرة تأسيس (ساحة السياسة) كمكان ومعنى، بعد غياب طويل لم تستطع خلاله إلا المحافظة على نفسها كـ(محلّ) محتمل للفعل السياسي، وشهد المكان نفسه ولعقود عدّة عمليات تجارية وسياحية وخدماتية مع (حضورات) متقطّعة للنظام السياسي الذي كان حاكماً، حضورات ناشفة.... باردة دون روح.. ودون سياسة!
في إطار إعادة تأسيس (ميدان التحرير) كمكان للسياسة، تمت تلك العملية الضرورية لإكسابه هذا المعنى، حيث انسحبت تدريجياً أرديته القديمة الملّطّخة بعمليات السمسرة والسرقات والنهب المنظم، فضلاً عن عمليات رفع الحواجز بين مختلف مكونات المجتمع، باستهداف وضعه في مربعات غير قابلة للالتقاء، وحلّ رداؤه الجديد المشكّل من نسيج المجتمع الموحّد، والمطرّز بـ(أفكار الثورة) والملّون بتنويعاتها الإبداعية. كان الحضور الموّحد للمجتمع المصري العلامة الدامغة على عودة السياسة بمعناها العميق إلى ميدان التحرير، حيث سيكون من مسؤولية هذا المصهر الموحّد إعادة إنتاج النظام السياسي الجديد الذي يفترض أن يعبّر عنه، ليس بالضرورة بفرض (اللباس الموحد) وعناصر التشابه بين أطرافه، بل على نحوٍ متقدم بإدارة اختلافاته ومعارضاته، بما هي جزء وجودي منه وليس خارجه.
منذ تلك اللحظات الاستثنائية، بدا وكأن الساحات الخاوية من المعنى السياسي، خصوصاً في العالم العربي، ستعيد إنتاج نفسها وفق مواصفات ميدان التحرير أو بما يتجاوزها. شرعت ساحة اللؤلؤة في المنامة في هذه العملية بشكل موفق، فيما يحيط المعنى التراجيدي بساحات عدن وصنعاء، في الوقت الذي كرّست فيه ليبيا ساحاتها للمآسي، ولإنتاج الكارثة.
في 13 آذار الحالي، من المفترض أن تشهد ساحة الشهداء في بيروت حشداً مستنسخاً عن أصله المؤسس في 14 آذار 2005، ولكن دون أكثر من نصف مكوّنات هذا الأصل.
تعتبر ساحة الشهداء في بيروت الأخت التوءم لساحة المرجة في دمشق، فكلتاهما تأسستا سياسياً منذ أقل من مئة عام بقليل، واكتسبتا ذلك المعنى الذي يدفع بالسياسة نحو أقصى أداء نبيل لها، عندما تشاركتا مابين العامين 1915 و1916 في احتضان مشانق نخبة الأمة ومفكّريها الذين أمسوا شهداءها المؤسسين لمعنى الحرية فيها.
خلال تاريخها الطويل، كانت ساحة الشهداء في بيروت المكان الذي تُرى فيه السياسة في لبنان، بمشاهدها المتعددة والمتنافرة، كما كانت أيضاً منذ الأمكنة التي اغتالتها الحرب الأهلية، ليعيد إنتاجها الإقطاع المالي واسعة فسيحة ولكنها محاصرة ومهددة على الدوام من طواغيت السوليدير وداعميهم ومنتجي ثقافتهم وإعلامهم، مع الدوائر المحلية التي تدور في فلكهم والمراكز العالمية التي تستثمرهم.
ومنذ العام 2005، تحوّلت ساحة الشهداء إلى مكان لإنتاج عوامل الفتنة المذهبية، وسلع التفرقة وتموين الحروب الأهلية المؤجلة.
من المؤكد أن مشهد ميدان التحرير في القاهرة فيه من المؤثّرات ما يردع أقطاب (أحزاب ما قبل السياسة) عن المضي في مسيرتهم الشاذة، وفيه من التشويق ما يدفع لمحاولة تقليده أو تجاوزه. إلا أنه بالتأكيد لم يستطع أن يمارس ردعه أو يغوي بتشويقه تجّار الحقد وأقطاب الإقطاع المالي والطائفي والمذهبي في لبنان، فها هم يعاكسون المشهد ويحاولون القبض مجدداً على (ساحة الشهداء) وتركيبها على خط إنتاج الحقد والتفرقة وتنفيذ بنود إستراتيجيات دولية، وآنذاك يكون ما تم في ميدان التحرير عاراً عليهم وإلى الأبد.
 
نزار سلّوم

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.