تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حتــى لا تــأخــذنــا نشــوة سقــوط أنظمـة النفـوذ الأميـركـي

 

محطة أخبار سورية   
 
حالة الاستنفار التي تعيشها الإدارة الأميركية في أعقاب سقوط نظامي تونس ومصر تبدو واضحة بكل ما فيها من تخبط وتلعثم وتناقض في التصريحات والمواقف التي أطلقها الرئيس الأميركي أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون، ويدرك خبراء الأمن والسياسة الأميركية أن الانهيار السريع لأنظمة راهنوا وبنوا حساباتهم وحضورهم في المنطقة بالاعتماد عليها سوف يترك أثراً إستراتيجياً على الدور الأميركي وقوة النفوذ التي استقوت بها بعض الأطراف العربية التي كانت تسعى لتوسيع دائرة ما يسمى أنظمة الاعتدال، وهي الأنظمة التي تسللت عبرها خريطة الطريق الأميركية إلى قلب الصراع العربي الصهيوني، وأصبحت مرجعية لها مفرداتها وأدبياتها السياسية الملزمة، وحققت اختراقاً جزئياً في بعض الساحات على حين بدأ تطبيقها على الأرض تحت عنوان مكافحة الإرهاب كما حصل مع سلطة أوسلو.
 
الآن وبعد حالة اليتم والفجيعة الأميركية مع تهاوي ركنين أساسيين من أركان النفوذ الأميركي الغربي في وطننا العربي، وخاصة رأس نظام كامب ديفيد في مصر سيبدأ فصل جديد من حرب الإرادات، حرب تشعل جبهتها المصلحة الأميركية في التعويض عن الأوراق المحترقة، ولمواجهة تلك الحرب سواء أكانت خفيّة أم معلنة، خاطفة، أم بعيدة المدى فمن الأهمية بمكان ألا تأخذنا نشوة سقوط الأنظمة التي أعاقت أدنى صيغ العمل والتضامن العربي المشترك اتجاه قضايا الأمة، وبات من الضروري والملح التوقف، بشكل هادئ أمام استحقاقات سياسية وأمنية ستواجه جبهة المقاومة بكل أركانها، حيث لن تطول كثيراً لعبة ركوب الموجة والمواكبة المسرحية لمشاعر جماهير أمتنا التي لم تخفها النبرة الراجفة لأوباما وهو يدعو أنظمته الحليفة إلى الرحيل في اللحظة القاتلة من عمرها.
الكأس المرة التي تجرعها أوباما وهو يعلن تخليه عن أعز الحلفاء ستجعله أكثر تصميماً على محاولة استعادة التوازن والهيبة والحضور في المنطقة، فليس مسموحاً في القاموس الأميركي أن يفرح أو يبتسم المواطن العربي لخسارة أميركية، حتى لو كانت تلك الخسارة في ملاعب كرة القدم، تماماً كما حصل حين وقف أوباما وقال: إن فوز إمارة قطر بتنظيم المونديال عام 2022 على حساب أميركا أمر خاطئ!!
أميركا التي تدرك أن مصالحها في المنطقة لم تعد محصنة ومحمية كما كان الوضع قبل انهيار نظام كامب ديفيد في مصر، تعرف أيضاً أن فاتورة حمايتها للكيان الصهيوني سوف تزداد حجماً ويكبر عبؤها مع مرور الوقت، وبالمقابل ستجد القوى المناهضة للمشروع الأميركي الصهيوني مجالاً حيوياً للتعبير عن ذاتها وتوسيع دائرة نشاطها وفعاليتها وهي مطمئنة نسبياً إلى وضع الجبهة الداخلية العربية بعد أن تقلص عدد وحجم الأفخاخ والكمائن التي كانت منطلقاً لتوجيه رماح الغدر إلى ظهر المقاومة وثقافتها.
وبالاستناد إلى ذلك يمكن القول إن سورية ومعها قوى المقاومة في فلسطين ولبنان تقف حالياً في المربع المريح بعد أن خاضت مواجهات صعبة وقاسية على مدار أربعة عقود أمضت معظمها في الدفاع عن النفس منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
اليوم وبعد أن التقطت قوى المقاومة أنفاسها واستعادت زمام المبادرة في أكثر من مسألة، وغدت قادرة على إعادة ترتيب الأولويات والأوراق في ضوء المتغيرات الكبرى في الخريطة السياسية العربية، فإن اللحظة الفاصلة بين خسارة أميركا ونشوة انتصار الثورات الشعبية يجب ألا تشغلنا عن السؤال الذي يتصدر الواجهة: وماذا عن استحقاقات اليوم التالي؟ ماذا عن ردود الأفعال الأميركية والغربية وشكل ونوعية الهجوم المعاكس الذي يفكر فيه البيت الأبيض والمتحفزون في البنتاغون الأميركي للتعويض عن خساراتهم.
لا يحتاج الأمر لعناء بحث وتفكير لمقاربة آليات وسبل القنص الأميركي والعقلية التي تتحكم هنا بصناعة القرار، فسيحاول القناص الأميركي استهداف رأس المواطن العربي ووعيه بشن حملة من الترويع الإعلامي والسياسي وبث الشائعات التحريضية ضد من عارضوا وناهضوا وقاوموا سياسة الإملاءات الأميركية، عبر البناء على جزئيات متفرقة، وحوادث صغيرة، حتى لو كانت مجرد مشاجرة أو حادث سير، وسوف يصدّرون إلى العناوين الرئيسية في الفضائيات ملفات لأشخاص على أنهم ضحايا الرأي حتى وإن ثبتت عمالتهم وتورطهم مع الأميركيين أنفسهم.
إن عين الكاميرا الأميركية وأخواتها من كاميرات مستعربة، وما سترشقه على ساحة المقاومة العربية وفي المقدمة منها سورية يتمحور حول هدف وبرنامج أبعد من حدود العبث والاستهداف السياسي فهو في جوهره حرب ثقافية غايتها، حتى وإن اقتصرت نتائجها على أحداث موضعية مفبركة القول إن الأنظمة التي تساقطت بفعل الثورات الشعبية لم تسقط لأنها كانت حليفة للسياسات الأميركية، بل إن أميركا هي مظلة الأمان وهي حامية الديمقراطية، وإن الكرامة الوطنية للشعوب من كرامة البيت الأبيض، وإن أميركا وحدها هي التي تقرر من يبقى ومن يرحل من الحكام العرب!!
 
أنور رجا  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.