تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

وطن داخل وطن

 

لدي شعور قوي بأن هذه المقالة لن تنشر... مع هذا سأكتبها كما لو أنني أحدث نفسي كي لا يبقى دفتر يومياتي فارغاً.

العالم كله تابع ثورتي تونس ومصر. ونظراً لسرعة العدوى بين الثورتين تكهن كثير من المراقبين السياسيين وقراء المستقبل بأن البلدان العربية الأخرى مقبلة لا محالة على ثورات مماثلة لن ينجو منها أحد. وفي أجواء تعج بالتنبؤات والتوقعات بدؤوا يتساءلون: ما البلد العربي التالي؟ ولاشك وضعت سورية في قائمة الانتظار.

وسواء أكانت هذه التوقعات صادرة عن قراءة موضوعية حيناً، أم عن سوء نية حيناً آخر، فإن وضع سورية داخل منطقة الزلازل هذه هو أمر مفهوم ومنتظر.

فإذا كان النزوع نحو الديمقراطية هو قدر هذه المنطقة المحتوم، فسورية ليست بلداً ديمقراطياً بالتأكيد، وربما لن تكون في مأمن من ارتدادات هذه الزلازل نظرياً على الأقل.

والحق لا أحد يستطيع الادعاء بأننا في سورية نعيش حياة رائعة خالية من الهموم والمشاكل والمعاناة، فلدينا منها الكثير. لدينا مظالم اجتماعية ومصاعب معيشية حادة، ولدينا نقص في الحريات، ولدينا فساد كالسرطان يلتهم المجتمع كله، ولدينا قلة من المنحرفين والجشعين تستأثر بمعظم ثروات البلاد ونعيمها، ولدينا أحزاب ومجلس شعب غائبة تماماً عن الحياة العامة، ولدينا مراكز عليا يحتلها أشخاص مميزون بضيق الأفق وانعدام الكفاءة وصلوا إلى القمة بأسرع مما يجب وبأساليب ملتوية.. ولدينا... ولدينا... ولدينا.. وكل هذه أمور تدعو للغضب والاحتجاج وإن شئتم: للثورة... فالجميع تعلم الدرس، والشعب المقهور يحتاج إلى توجيه غضبه نحو أحد، وكل بلد يختار السلوك الذي يلائمه.

وهنا دعونا نختلف معكم أيها السادة المراقبون فما تعرفونه عن سورية يبدو ناقصاً حيناً ومشوهاً حيناً آخر، وإذا كنتم تلمحون إلى استنساخ ثورتي تونس ومصر في سورية فأنتم مخطئون، وإذا كنتم تحاولون استعداء الشعب السوري على رئيسه فأنتم واهمون أيضاً.. وما سأقوله هنا ليس سهلاً بالنسبة لي قوله، لولا أن هناك مراحل في الحياة تحتاج إلى كلمات صريحة وهذا هو الوقت المثالي لقولها. الرئيس بشار الأسد حاكم مختلف عن جميع من تعرفونهم من حكام عرب. فهو الحاكم الوحيد الذي ظل يقظاً وسط منظومة من النيام، وأصر على أن يكون من حملة الرماح لا حملة الوحول، وحارب العالم كله لكي لا تصبح سورية حالة أميركية.

هو حاكم محب متفان، يحب بلاده كل حبة رمل فيها، كل حبة تراب، كل شجرة كل إنسان. لم يكن طالب سلطة يوماً إنما جاءته الرئاسة بقرار محسوب من قدره. كان شاباً شعر بمسؤوليته تجاه الحياة وكل ما أقدم عليه فيما بعد كان بحثاً عن تحملها. راجعوا سياساته واقرؤوا خطبه وأقواله وستدركون أن هذا الشاب ليس بحاجة إلى لقب الرئيس ليحبه الآخرون، أو ليسخّر سحره الخاص، أو ليلقي بثقله في كل مكان مثقفاً كبيراً، أو ليظل يحتفظ بهالة الرئيس ولو تحول إلى مواطن عادي.

هو يعرف خيراً من أي كان أنه لم يحقق كل طموحات وأحلام شعبه، إلا أن شعبه يسامحه لأنه يوفر له الأمان، ويجعله فخوراً بنفسه، ويجلب له الكرامة الوطنية والقومية بمعانيها الروحية العميقة وليس بلفظها الإنشائي الشائع.

فهل لكم أن تتخيلوا مثلاً، لولا مواقف هذا الرئيس البطولية والصلبة، كيف كانت حال كل من لبنان والعراق وفلسطين الآن؟ وإذا أحسنتم التخيل (وعندئذ لن تتوصلوا إلا إلى رؤية مشهد جنائزي قاتم ومشؤوم)... فهل كنتم تتحدثون اليوم عن أمة عربية موجودة أو عن صورة تذكارية لأمة أصبحت في ذمة التاريخ؟!

انتبهوا إذاًَ أيها السادة ولا تخطئوا قراءة المستقبل، فالرئيس بشار الأسد ليس هدفاً... إنه السهم.

ومشكلتكم هي هنا أنكم تصغون لمعارضة سورية خارجية رثة ولقيطة مكونة من شتات وفلول ومنبوذين ميئوس منهم، ورجال حاقدين تقودهم الكراهية وتعمي بصيرتهم نزوات السلطة المسعورة، وتحركهم أدنى دناءات التفكير البشري وهي الطائفية البغيضة، معارضة ارتهنت للقوى الخارجية علناً ولا يثق بها أحد، معارضة غرابية لا تتحرك إلا في أوقات الأزمات لخراب البلاد، ولا تملك خطة سوى التدمير المنهجي لكي لا يكون لهذه البلاد مستقبل.

فعبثاً تحاولون الرهان على معارضة كهذه، لأنه لن يكون بمقدوركم أن تصنعوا أجنحة ملائكية لشياطين، أو أن تصطنعوا وجوهاً بشرية لفاشيين.

ما الحل إذاً؟ وهل يصمت الشعب ولديه كل تلك المعاناة؟

بالتأكيد لا... وليس هناك عاقل يمكنه أن يطلب ذلك، فشباب سورية اليوم بحاجة للتغيير لكي يتقدموا في الحياة، ويكونوا سادة أنفسهم ومصائرهم. من حقهم أن يقولوا لكل أولئك الذين أمضوا الوقت في خداع الناس وفشلوا في بناء أي شيء وعجزوا عن فتح عقولهم للأفكار الجديدة: (أعطونا مستقبلنا فقد اكتفينا من ماضيكم دعونا ندخل عصراً جديداً لنعرف كيف علينا أن نعيش أفضل».

لا تخافوا أيها الشبان... اطمروا هؤلاء بصراخكم، فالرئيس ليس محايداً... إنه معكم وينتمي إليكم... وكل ما ستطلبونه منه لن يزيد على أن يبدل قليلاً في سلم أولوياته.

 

 

 

 

                                                                                                                           قمر الزمان علوش   

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.