تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إصلاح المعارضة!

 

محطة أخبار سورية

نظرياً وافتراضاً، المعارضة السياسية أياً تكن، هي «حالة مثالية» بكونها مشروعاً غير منجز بعد، أي إن تعبيرها عن نفسها يكون على نحو نظري غير ممتحن بفعل الواقع ومؤثراته وطبيعته.

بهذا المعنى، تنتمي المعارضة إلى المستقبل، لا إلى الماضي، ولا حتى إلى الحاضر، ولكونها حاملة مشروع، تكون الأفكار عدّتها التي تستخدمها في سبيل تأمين وتأسيس مساحة لها في الخريطة السياسية التي هي وحدها القادرة على تظهير المعارضة كأحد مكوناتها، بل كأحد لزوميات وجودها، وإكسابها معناها.

وعلى ذلك يفترض أن تبدأ المعارضة رحلتها الميدانية بالدخول إلى الخريطة السياسية من باب السياسة تحديداً، وليس من باب الجامع أو المعبد، حيث إصرارها على توسّل هذا الباب الأخير يخرجها من السياسة وثقافتها وعلاماتها ورموزها، ويدخلها في فضاء إطلاقي غير متناسب مع لغتها ومقاصدها، فتبدو مسيئة إلى هذا الفضاء وروحانياته وعالمه وأخلاقياته، على حين تنتج نفسها كـ«مشهد ماضوي» ويبدو المستقبل بعيداً عنها!

وإذ تتمظهر المعارضة كحالة من الماضي، تبدو مستعيدة ثقافته وروحه وأدواته، التي تشكل مجتمعة سلاحها الذي تشهره لترويج بضاعتها أو لفرض رؤيتها وهي إذ تلجأ مثلاً إلى استعارة «الدعوة إلى الجهاد» تكون قد اغتصبت إحدى آليات الحروب الدينية، لتضعها في إطار واقع سياسي «داخلي» في محاولة لإعادة إنتاجه مؤسساً على الثنائية المتضادة: مؤمن – كافر.

بهذا المعنى أيضاً، تكون المعارضة قد بدأت رحلتها نحو الواقع بعيداً عن السياسة وعلاماتها ورموزها وإرثها وثقافتها، وهي لذلك تلغي الفعل السياسي مهددة خريطته ووجوده على نحو إطلاقي.

إن الأحداث التي جرت في سورية خلال أكثر من شهر مضى، والتي يفترض أن المعارضة السورية هي المتسببة بها، وما آلت إليه هذه الأحداث وما رافقها من أعمال عنف وقتل، وما ظهر من شعارات وأفكار ودعوات، وما تم استخدامه إعلامياً من تحريف وتزوير، وما تم إنتاجه من «مسلسلات» إعلامية على صفحات اليوتوب والفيسبوك والتويتر... إن ذلك كلّه وغيره يحتّم إعادة النظر بـ«المعارضة» وسلوكها والتبصّر بآلياتها ومقاصدها وعلائقها، وهو فعل بمقدار ما يتشهى نقدها، يتشّهى وجودها على النحو الذي تلتزم فيه معناها كمكون من مكونات الخريطة السياسية السورية المستقبلية.

إنّ القوام السياسي لـ«المعارضة السورية»، كما عبّرت فيه عن نفسها، لا يبدو واضحاً، ولا بأي معنى، لا منهجياً ولا كمشروع تفصيلي، ولا حتى «كجسد اجتماعي – سياسي» موصوف. وما ظهر إلى اليوم ليس سوى مشهديات غير سياسية منتمية بمظاهرها وعلاماتها وآلياتها إلى «مشهد ماضوي» منقض.

وإذا كانت هذه المشهديات التي تعرّف إليها السوريون خلال الأسابيع الماضية هي مشهديات «المعارضة السورية» فعلاً فإنها، للأسف الشديد، تكون قد قدمت نفسها للمجتمع على نحوٍ كارثي غير موثوق برؤيته، ولا بآلياته، ولا بأخلاقياته.

وإزاء إشكالية مثل هذه، لا تبدو عملية الإصلاح المأمولة والعتيدة محصورة في حقل الدولة وأنظمتها الراهنة، بل على نحوٍ جوهري تبدو ضرورية وحتمية لتطاول بفعلها حقل المعارضة السورية المطالبة بأن تنتج نفسها كحالة سياسية واضحة ومرئية، وإلاّ فستبقى مخطوفة من «حرّاس الماضي» وأشباحه

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.