تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أي إصلاح تحتاج إليه سورية؟

محطة أخبار سورية

في خضم الأحداث التي تشهدها سورية يدور نقاش واسع حول أهمية إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، لكنه في الوقت نفسه هناك وجهتا نظر بشأن نوعية وماهية هذه الإصلاحات.

وجهة نظر تنطلق من مصالح يعبر عنها بعض رجال الأعمال، والمستثمرين المرتبطين بمشاريع اقتصادية في الخارج، يريدون إصلاحات تفسح بالمجال أمام المزيد من الحرية الاقتصادية، وما تعنيه من تعديل القوانين وإزالة القيود التي تعوق حركة رؤوس الأموال وانتقالها، وتلتقي هذه الوجهة مع بعض القوى السياسية المرتبطة بأجندات خارجية تدعو إلى تخلي سورية عن سياساتها القومية التي تجعلها في صراع دائم مع كيان العدو الصهيوني وتحمل الشعب السوري الأعباء الثقيلة.

كما تلتقي وجهة النظر هذه مع الشروط الأميركية التي أفصح عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقبله وكيلة وزارة الدفاع (البنتاغون)، والتي دعت سورية إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية تنسجم مع الأجندة الأميركية في المنطقة، ومع سياسات الصندوق والبنك الدوليين، والتي كانت سبباً في انهيار اقتصادات الكثير من دول العالم الثالث وإفقار شعوبها وجعلها تابعة اقتصادياً وسياسياً للسياسات الأميركية والغربية.

أما وجهة النظر الثانية فإنها تنطلق من مصالح الأغلبية العظمى للشعب العربي السوري التي تريد إصلاحات تسهم في تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي لسورية، وتحسن الوضع الاجتماعي عبر سد الثغرات التي أوجدتها السياسات الاقتصادية، والاجتماعية للحكومة السابقة وأدت إلى إلحاق الأذى بالصناعة الوطنية، وإضعاف القدرة الشرائية للفئات الشعبية وزيادة التفاوت الاجتماعي.

ولذلك فإن ما تحتاج إليه سورية ليس الإمعان في هذه السياسات الاقتصادية التي قامت على تحرير السوق من أي ضوابط، وعلى تقليص الدعم، ودور الدولة الاجتماعي، وإزالة الكثير من الإجراءات الحمائية للاقتصاد الوطني.

بل إن ما تحتاجه هو سياسات تعزز نهج التنمية الاقتصادية الذي يقوي الاقتصاد الوطني، من صناعة، وزراعة، وسياحة، ويرسي المزيد من أسس العدالة الاجتماعية بحيث تعبر هذه السياسات عن مصالح أغلبية الشعب تماما كما تعبر عن تطلعاته الوطنية والقومية.

فالشعب العربي السوري كما الجماهير العربية تنظر باعتزاز وفخر للمواقف التي تنتهجها سورية بقيادة الرئيس الأسد إن كان لناحية دعم واحتضان المقاومة ضد الاحتلال، أو لناحية الدفاع عن القضايا والحقوق القومية ورفض التفريط بها، أو الاستسلام للشروط والإملاءات الأميركية لتوقيع اتفاق إذعان مع العدو الصهيوني على غرار اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة، أو لناحية التمسك بوحدة الأمة العربية وعروبتها، ومقاومة المشاريع والأحلاف الأجنبية التي تسعى إلى تمزيق وتفتيت الأقطار العربية إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية ومحو عروبتها لمصلحة بناء شرق أوسط جديد تتسيده إسرائيل وتحكم من خلاله واشنطن قبضتها الاستعمارية على كامل المنطقة العربية بما يوفر لها السيطرة على ثروات الأمة من النفط والغاز، والاستمرار في استثمارها لمصلحة الدول والشركات الرأسمالية العالمية.

إن أي متابع، ومراقب لمسار التطورات التي شهدها العالم، والمنطقة العربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي يلحظ أن نموذج اقتصاد السوق الليبرالي المتحرر من القيود والذي جرى الترويج له أميركيا باعتباره سبيل الدول للازدهار والتقدم يدرك سريعاً أن هذا النموذج قد أدى إلى اندلاع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العنيفة في الدول التي اعتمدته، والتي لم تستثن حتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها، واضطرتها إلى إعادة النظر فيها عبر اتخاذ إجراءات تعيد للدولة دورها الاقتصادي والاجتماعي الذي جرى التخلي عنه تحت شعار دع السوق يعمل من دون رقابة الدولة، أو تدخلها.

ولهذا فإن وجهة النظر التي تروج لهذا النموذج من الإصلاحات هي نفسها التي تريد إفقاد سورية استقلالها الاقتصادي الذي مكنها من تعزيز وتحصين استقلال قرارها السياسي، وجعلها قادرة على الصمود في مواجهة العدو الصهيوني، والمشاريع الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولات إخضاعها للسيطرة الاستعمارية.

من هنا فإن الإصلاحات المطلوب اعتمادها والإسراع فيها هي الإصلاحات التي تضع حداً للاختراق الذي حصل في السنوات التي تلت الاحتلال الأميركي للعراق وأدت إلى إحداث ثغرات في جدار الاقتصاد الوطني، والأمن الاجتماعي، والعمل على العودة إلى تعزيز السياسات المبنية على اقتصاد التنمية الاجتماعية الذي ينمي سورية في المجالات كافة، ويوفر فرص العمل، ويحقق الأمن الغذائي، والعدالة في توزيع الدخل، ويحمي الطبقات الشعبية من أن تستباح في لقمة عيشها، وحقها في أن تنعم بحياة كريمة تجعلها أكثر تمسكاً بثوابتها الوطنية، والقومية والعروبية التي جعلت من سورية قبلة العرب وقلعة صمودهم، ومقاومتهم في زمن تخاذل فيه الكثير من الحكام وخضعوا للوصاية الأميركية لمصلحة العدو الصهيوني، ويبدو من الواضح أن الإصلاحات التي يسير فيها الرئيس بشار الأسد هي التي تنسجم مع تطلعات الشعب وتحصن مواقف سورية الوطنية والقومية، ولذلك هي لا ترضي واشنطن ودول الغرب، وبعض من يرتبط بأجندات خارجية.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.