تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رشاد كامل: العقوبة بالثلاثة

محطة أخبار سورية

أذكر أننا وصلنا للبند الرابع من قانون المطبوعات أثناء محاولتنا لتغييره بعد ثلاثة اجتماعات، وتصور الجميع أننا لن ندرس هذا البند لكونه إجرائياً تعريفياً إلى أن وصل دوري وقلت لهم: هل تعلمون من وضعت في صحيفتي بمنصب المدير المسؤول؟... زوجتي!. وهنا ضحك الجميع وهزوا رؤوسهم لمكري ودهائي في توريطها فيما لايعنيها وسرعان ما أتاني التعليق المنتظر: (طبعاً لأنك تريد أن تضمن أنها بالفلقة معك، وإذا انحبست بسبب مقال تضمن حبسها معك).

 

وأجبت: تمام... هذا هو الهدف. ‏

وقبل أن تنتهي الابتسامات تابعت: (شباب يجب أن نلغي منصب المدير المسؤول في قانون المطبوعات هذا منصب فعلياً غير موجود ولكنه كما قلتم.. توريطة). ‏

 

اختفت الابتسامات وتسمرت بعض النظرات علي في محاولة معرفة هل أنا جاد، أم إنها تتمة النكتة، والبعض الآخر قرأ البند الذي كان مقرراً القفز عنه وكأنه يقرؤه لأول مرة، وبدأت الجولة الأولى في مفاوضات الإطاحة بالمدير المسؤول من قانون المطبوعات. ‏

 

ومن أجل أن أضعكم بالأجواء لابد لكم من معرفة من هو المدير المسؤول في المطبوعات. ‏

 

في الواقع إن قانون المطبوعات (المرسوم رقم 50 للعام 2001) لم يحو في المادة الثانية له والمخصصة للتعريفات أي إشارة للمدير المسؤول، هو عرّف الوزير والوزارة، المطبعة والمطبوعة وحتى صاحب المطبعة وطبعاً النشر والناشر والموزع وصولاً لتعريف المكتبة ولكنه لم يذكر لا مديراً مسؤولاً ولا رئيس تحرير ولا حتى صاحب المطبوعة والذي من الممكن افتراضه أنه هو الناشر حسب التعريف في المادة 2 البند ح (الناشر هو من يحصل على حق نشر المخطوطة ويتولى تحضيرها وتجهيزها للطبع ونشرها). ‏

 

إذاً قانون المطبوعات أغفل تعريف ثلاثة أهم أشخاص نحمّلهم المسؤولية الكاملة (المدير المسؤول ورئيس التحرير، المحرر)... عادي، لم نتوقف عند هذا الخلل التعريفي لأننا أساساً كنا سنعيد كل التعريفات ولكن المساكين الثلاثة الذين لم يذكروا في المادة /2/ من القانون تم ربط مصيرهم ببعضهم في المادة /4/ الذي أغلظ بإيضاح معلومة مهمة أن أي عقوبة على أي خطأ في أي وسيلة إعلامية (وهنا نتحدث عن المطبوعات) ستكون عقوبتها ليست لمرتكبها بل للثلاثة... نعم عقوبة بالثلاثة. ‏

 

وإليكم نص المادة /4/ من دون أي تلطيف: (يعد المدير المسؤول ورئيس التحرير والمؤلف مسؤولين فاعلين في العقوبات التي تفرض على الأفعال الواقعة بمقتضى هذا المرسوم التشريعي أما صاحب المطبوعة سواء كان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً فإنه يعد مسؤولاً بالمال عن النفقات التي يحكم بها والرسوم وبدل العطل والضرر الذي يحكم به لمصلحة الأفراد وإذا ثبت اشتراكه الفعلي في إدارة المطبوعة وتحريرها فإنه يعد كالمدير المسؤول). ‏

 

إذاً العقوبة بالعادة يجب أن تكون بالثلاثة ولكنها قد تطورت لتصبح بالأربعة.. في حال ثبت أن صاحب المطبوعة متورط في إدارتها. ‏

 

دعونا نعد إلى موضوعنا، إذا كنا بداهة نعرف أن صاحب المطبوعة هو صاحب المطبوعة ونستطيع معرفة وتمييز عمل رئيس تحريرها وأيضاً من الطبيعي أننا نعرف ما يفعله المحررون يبقى السؤال: ماهي مهام المدير المسؤول؟. ‏

 

هل هو شخص هامشي مثلاً؟... هل هو شخص مهم جداً؟. ‏

في القانون الحالي وحسب المادة /11/ هو شخص مهم جداً لأنه لايمكن الترخيص لأي مطبوعة إلا بعد أن ترفع أولاً اسم مديرها المسؤول... حيث نص القانون حرفياً يوقع طلب الرخصة صاحب المطبوعة ومديرها المسؤول ويجب أن يتضمن هذا الطلب: ‏

 

أولاً- اسم المطبوعة ونوعها / مجلة أو جريدة الخ / ومنهجها / سياسية /علمية / أدبية /رياضية فنية. إلخ.. ومواعيد صدورها يومية، أسبوعية، نصف شهرية، شهرية إلخ . ‏

ثانياً- اسم مديرها المسؤول وكنيته وجنسيته ومحل إقامته وسنه وشهاداته العلمية. ‏

ثالثاً- اسم رئيس التحرير وكنيته وجنسيته ومحل إقامته وسنه وشهاداته العلمية. ‏

رابعاً- اسم صاحب المطبوعة والشركاء فيها وأصحاب رأس المال وكنياتهم ومهنهم ومحال إقامتهم وجنسياتهم وأعمارهم وشهاداتهم. ‏

 

إذاً أهميته (أي المدير المسؤول) في الترخيص تأتي بعد اسم المطبوعة واسم رئيس التحرير وصاحب المطبوعة. ‏

 

إذاً هو شخصية مهمة جداً في المطبوعات... فكم مديراً مسؤولاً تعرفون؟. ‏

وهل تعرفون فعلاً ما هو دوره؟. ‏

 

هذا كان سؤالي للمجتمعين من لجنة تعديل قانون المطبوعات والذي نفسه كررته لمن وضع مسودة قانون الإعلام الالكتروني وأظنه نفسه سأطرحه الآن على لجنة إيجاد قانون الإعلام. ‏

 

الزملاء في لجنة إيجاد قانون إعلام الكتروني استمعوا لمناظراتنا حول النواقص في التعريفات وحول المدير المسؤول، ما دفعهم إلى استباق أي نواقص في التعريفات وخاصة فيما يتعلق برئيس التحرير والمدير المسؤول فكانت كالتالي: ‏

 

المدير المسؤول: الشخص الطبيعي الذي يمثل مقدم خدمات التواصل على الشبكة ذا الصفة الاحترافية أمام الجهات الإدارية والقضائية، ويكون مسؤولاً عن تطبيق القوانين والأنظمة النافذة ‏

 

رئيس التحرير: الشخص الطبيعي الذي يتولى مهام رئيس التحرير في موقع إلكتروني إعلامي، ويكون مسؤولاً عن المحتوى الموضوع في الموقع. ‏

 

لا أعرف من انتقى هذه الكلمات القوية (يمثل، مسؤول عن تطبيق) ولكنها متناقضة، فكيف يمثل المطبوعة أمام الجهات القضائية من هو أساساً متهم أمام القضاء بالضرورة مع كل مخالفة في المطبوعة. ‏

 

هل المدير المسؤول شخص قانوني؟ لأنه هو المسؤول عن تطبيق القوانين والأنظمة النافذة، أم صحفي مخضرم لأنه عملياً حسب القانون نفسه هو الآمر الأعلى لما ينشر وما لاينشر في المطبوعة؟. ‏

 

والذي بدوره يطرح السؤال الذهبي.. هل هو أعلى من رئيس التحرير فعلاً، أي هل يحق له رفض مادة يريد أن ينشرها رئيس التحرير؟، وخاصة أن القانون نفسه أعطى رئيس التحرير وحسب التعريف القدرة والمسؤولية عن المحتوى المنشور. ‏

 

قانونياً المدير المسؤول أعلى من رئيس التحرير لأنه وأيضاً حسب القانون هو السلطة الرقابية التي يجب أن تمارس ذاتياً من قبل كل مؤسسة إعلامية (في تطبيق القوانين والأنظمة النافذة) ... أحب كلمة (الأنظمة النافذة).. في الواقع أنا أعرف ماهي القوانين.. ولكن الأنظمة النافذة.. لم يصلني ولا نص مثلاً اسمه النظام النافذ لأصول النشر أو ما يماثله، وأظن أنها من الموروثات التي وضعت ولم يرفعها أحد للحنها الموسيقي الحكومي في تأكيد المراقبة الذاتية التي قد تتجاوز حتى ما يمكن أن يتاح في القوانين فنؤيده ذاتياً أيضاً عبر تعريفنا الخاص للأنظمة النافذة. ‏

 

الإجابات حول (المدير المسؤول) أتت مختلفة تعريفاً ومهاماً، كل رؤساء التحرير رفضوا فكرة أن هناك سلطة للنشر أعلى من سلطتهم فهم يقررون ما ينشر وما لاينشر وهم يضعون سياسة النشر... طبعاً بموافقة صاحب المطبوعة لأن لا عمل من دون مال ، ولكن أن يكون هناك سلطة نشر فوقهم فهذا يعني أنهم عملياً مدراء تحرير وليسوا رؤساء تحرير. ‏

 

في الواقع أتت إجابات أصحاب المطبوعات حول المدير المسؤول أنه شخص مطلوب لإتمام عملية الترخيص وفضلوا أن يكون قانونياً لذلك انتقوا محامياً يعمل لديهم أو يتعاملون معه كمدير مسؤول و قلة مثلي وضعت قريباً بهذا المنصب والبعض حمل نفسه منصبين (أي أن يكون صاحب المطبوعة ومديرها المسؤول). ‏

 

أما وزارة الإعلام فتعريفها للمدير المسؤول تلخصت بأنه الشخص الذي يجب أن يجلب خمس نسخ من كل عدد صادر إلى دائرة المطبوعات وهو شخص يمكنه متابعة معاملات المطبوعة في الدوائر الرسمية (اشتراكات - إعلانات) ولكنهم أيضاً يعلمون أن هذا الموظف الإداري المسكين سيزج إلى المحاكمات في حال كتب محرر في صحيفته مقالاً نشره رئيس التحرير وسبب دعوى قضائية. ‏

 

أهم وأصدق جواب حول هذا الموضوع كان من أحد مسؤولي وزارة الإعلام حين أنهى برأيه حديثنا حول هذا الموضوع بالتالي: (النشر مسؤولية وهكذا نضمن أن أكثر من شخص سيراقب ما ينشر). ‏

 

إذا لو كان بالإمكان وضع طرف رابع وخامس وسادس مسؤولين عما ينشر ويواجهون العقوبة بالتضامن والتكافل لكان ذلك أفضل. ‏

 

في قانون الإعلام الجديد لابد لنا من تحديد (آمر النشر) والذي هو شخص واحد وليس ثلاثة أو أربعة، ولابد من الثقة بآمر النشر وبالوقت نفسه احترام مسؤولياته، فهو روح المؤسسة الإعلامية وعقلها المدبر، وهو والمؤسسة يجب أن يحموا المحررين ويساعدوهم على إبداء الرأي والتحليل بكل مايرونه ضرورياً ومهماً وحتى ممتعاً للمتابعين. ‏

 

في قانون الإعلام الجديد يجب أن نتبنى حصانة الإعلام والإعلامي وتبني الانجازات التي وصل إليها فريق تطوير قانون المطبوعات بهذا الخصوص، لا بل تجاوزها لمصلحة الإعلام والإعلامي. ‏

 

يجب أن نجنبه المضايقة لا بل نتحملها عنه ومعه. ‏

يجب أن نحميه ومؤسسته من المتضررين من الكلمة الحرة. ‏

يجب أن نقبل التواصل والتفاعل وإعلام الجمهور على أنه جزء من إعلام اليوم والمستقبل ويجب أن نقدره ونحميه. ‏

 

نعم قد نخطئ، نعم قد نتضرر قليلاً ولكن أي ألم في طريق الصعود يكون مبرراً ولكن لا تبرير لتعطيل الكلمة من أجل خطأ شخص أو مؤسسة .. لا نريد خططاً استباقية لمنع الأخطاء بل استراتيجية للتطوير. ‏

 

في بحثي عن أصل قانون المطبوعات السوري فوجئت أنه متأثر لابل أستطيع القول إنه منسوخ عن قانون المطبوعات الذي أقر في العراق عام 1931 والذي حدد أن الصحف من الممكن أن تغلق بقرار من وزير الداخلية إن اقترفت برأيهم إحدى هذه الأخطاء: ‏

 

- ما يعتبر إخلالاً بأمن الدولة الداخلي والخارجي. ‏

- ما يسبب الكراهية بين المواطنين. ‏

- ما يؤثر على علاقات العراق الودية مع الدول الأجنبية. ‏

- ما يخالف الآداب والأخلاق العامة. ‏

- ما يخالف الحقيقة بقصد إثارة الرأي العام. ‏

 

هذه المواد نفسها ستجدونها في قانون مطبوعاتنا القديم للعام 1949 والجديد للعام 2001 فهي بالضبط مع بعض الزيادات موجودة في المادة /10/ و المادة /29/ والمادة /50/ والمادة /51/ والمادة /52/ والمادة /53/ والمادة /54/... الخ . ‏

 

نعم، تمسكنا بهذه البنود في مرسوم عام 1949 وتمسكنا بها في مرسوم عام 2001 مع العلم أنه في 29 حزيران 1933 تخلى مجلس النواب العراقي عن تلك البنود واعتبرها حجة لإغلاق أي مطبوعة. ‏

 

شباب، ما يجب أن نتمسك به في العام 2011 في قانون إعلامنا الجديد بنداً واحداً فقط: (تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون). ‏

 

هذا ما أتى في المادة الثامنة والثلاثين في دستورنا، إنه الرؤية، إنه عقد الأمة، أما القانون فنحن وإياكم نكتبه بأيدينا الآن. ‏

 

لا نريد مزيداً من المديرين المسؤولين لنحملهم عبء الكلمة، بل أحراراً من الإعلاميين فعلاً.... يحملون عبء الكلمة.. يحملون عبء الوطن. ‏

وللحديث تتمة ‏

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.