تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التعددية الحزبية في تونس بين طموحات الشعب وتطلعات الأحزاب

 

تونس- محطة أخبار سورية

الثابت والأكيد أن المشهد السياسي في تونس قد تغير، تغيرا جذريا  خاصة بعد سقوط النظام الاستبدادي للرئيس السابق زين العابدين بن علي، وفسح المجال للهياكل والمنظمات السياسية بمختلف هياكلها لتقول كلمتها بكل حرية وديمقراطية وتتطلع لحقها الطبيعي في بناء تونس الغد، خاصة وأن الأرضية باتت سانحة ومهيأة لبناء دولة ديمقراطية على أسس توافقية وقاعدية يشيّد صرحها كل التونسيين بمختلف شرائحم وأجناسهم وأعراقهم وتطلعاتهم .

مشروع تونس الغد التي لن تكون وفق مخططات بن علي ولا زبانيتة، ولا نودها ان تكون أيضا وفق أهواء أفراد وتطلعات مجموعات بل نودها حق مكتسب لكل التونسيين لا يجادلهم فيه مجادل.

 

لكن هذا المشروع التأسيسي وان لاح بريقه في الأفق فإن ملامح تشييده ما تزال غير واضحة المعالم وتحتمل رؤية استشرافية وشمولية لا تحكمها النزعات الإيديولوجية ولا الأفكار التعصبية التي تهدم ولا تبني، وترتد ولا تتقدم.. لذلك فإن تونس اليوم تحتاج إلى وقفة تأملية لا  تنظيرية، تختلف فيها الآراء وتتعدد فيها المواقف لتجتمع فيها الأهداف وتتوحد الغايات.

وأمام  هذا السيل الهائل من الأحزاب التي لم تعرف له تونس مثيلا قبل اندلاع الثورة يبقى الجدل قائما حول ما إذا كانت هذه الظاهرة إيجابية تعكس تعدد المواقف والآراء، أم انها نوع من التخمة الناجمة عن حالة من الجوع السياسي الناتجة عن  عقود من الكبت في ظل حكم النظام السابق لبن علي!.

 

من المصطلح عليه أن الاحزاب تلعب دور الوسيط بين الشعب والسلطة او صناع القرار . وهذه الوساطة يتمخض عنها برامج انتخابي  محوره مشاغل المواطن وتطلعاته.

كما أن تنوّع الأحزاب السياسية واختلاف برامجها وتطوّر أنشطتها الدعائية والانتخابية والتنظيمية دعامة من دعائم الديمقراطية المعاصرة وباب من أبواب الانفتاح على الرأي المخالف، فالأحزاب السياسية من المفترض ألا تقوم مبادئها على أساس دين أو عنصر أو لغة. لأن تونس هي دولة كل التونسيين ودولة الرجل والمرأة والطفل والشاب والشيخ وهي دولة الفقير والغني وهي في النهاية جسد واحد تنصهر فيه جميع الجهات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب اذا اختلت فيه جهة تداعت بقية الجهات الأخرى بالسقوط.

لكن ما نلحظه اليوم في الساحة السياسية التونسية يؤكد العكس، فالأحزاب التونسية على كثرتها قليلة البركة، فإلى اليوم لم نلحظ برنامج فعلي قوامه الوطن والشعب أولا، بل ما لحظناه هو " الأنا" دائما وقبل الآخر، وكأن بهذه الأحزاب تحاول أن تطبق سياسة "فرق تسد" التي اعتمدها السومريون والمصريون واليونانيون القدماء لتفكيك قوى أعدائهم وتحييد هذه القوى من خلال توجيهها داخليا واحدة ضد الأخرى.

فبعض الاحزاب التونسية في شكلها الحالي تريد أن تطبق هذا الأسلوب لنفس الأغراض والأهداف ومن أجل إضفاء الشرعية على تطلعاتها السياسية التي تخدم المصالح الشخصية قبل العامة، عن طريق زرع البلبلة والتفرقة بين التونسيين من خلال إثارة الفتنة الجهوية والطائفية والعرقية والتحريض على العنصرية ونشر روح الانتقام بين الفئات والطبقات المكونة لهذا المجتمع وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهى بإنهاك قوى كافة الأطراف.

 

كل يوم تطالعنا الساحة السياسية التونسية على وجوه حزبية جديدة ضالعة في ادعاء الوطنية، هذه ببرامجها تبشر وتلك باصلاحاتها تعد، كلٌ يعظّم حزبه، والتونسي في حيرة من أمره يسائل نفسه "من الصادق".. نحن نعلم أن الايديولوجات ليست واحدة وهذا امر طبيعي والاختلاف أمر طبيعي وهو أساس وجود مثل هذه التنظيمات، لكن أغلب هذه الاحزاب لا تحترم مبدأ الاختلاف وعوض أن تقوم بدورها المفترض وتسعى الى رسم توجهاتها وتبسيط أفكارها وبلورتها في أرض الواقع، فإنها تنكب على مهاجمة الطرف الآخر وتحاول بشتى السبل تهميش أفكاره ومبادئه والطعن فيها وتبادل الإتهامات ونبش الماضي وهذا من شأنه أن يجرنا إلى الخلف والدليل والدليل أننا وبعد حوالي ستة أشهر من اندلاع الثورة مازلنا في نقطة الصفر.

 

فلم إذن لا نطبق قاعدة "الاختلاف لا يفسد للودّ قضية" ونفتح الباب أمام التوافق الفعلي مع المحافظة على الاختلاف الايديلوجي بما اننا جميعا نروم مبادئ التحول الديمقراطي وبناء تونس الجديدة التي قوامها العدل والحرية. لماذا لا نؤسس توافقات حزبية تعمل على حماية الثورة واكمالها وارساء الدولة دون تدخلات ووصايا خارجية؟، خاصة وأن تونس ستعيش على المدى القريب عديد المواعيد الانتخابية الهامة منها انتخابات المجلس التأسيسيى في 23 أكتوبر 2011 ثم الانتخابات البلدية سنة 2012 ثم التشريعية سنة 2013.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.