تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ليس دفاعاً عن «حضرة الغياب»

نظراً لغياب الحدود في الفضاء الافتراضي يتصور بعض أهالي وسكان الإنترنت أن الكلام لم يعد عليه جمرك بالفعل، لذا تراهم يطلقون العنان لأنفسهم فيقولون بكلمات مكشوفة مالا يجرؤون عادة على النطق به، وهذا أمر جيد، فالكبت المفرط هو سبب ازدواج واثتلاث وارتباع شخصية الواحد منا وهو ما أوصلنا إلى هذه المواصيل.
فور انتهاء عرض الحلقة الأولى من مسلسل «في حضرة الغياب»، الذي كتبته عن حياة المبدع الكبير محمود درويش، شن بعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، حملة ضد المسلسل اتهموا المشاركين فيه بأنهم تجار، «متسلقون» يريدون «تشويه صورة فلسطين» و«اغتيال محمود درويش الإنسان والشاعر والمناضل». وأمروا بقذفهم «إلى الجحيم». وقد وصل الأمر بأحدهم بأن دعا لإطلاق النار على فراس إبراهيم!
رغبة مني في التهدئة شكرت الجميع على غيرتهم على الشاعر الكبير الذي هو رفيق وجداني منذ أن كنت طالباً، واستغربت من إبدائهم آراء قاطعة بالمسلسل بعد رؤية حلقة واحدة منه فقط. قلت: أيها الأصدقاء إن محمود درويش ليس للمثقفين فحسب، بل هو للأميين أيضاً وقد تحمست لكتابة هذا العمل عنه للعبور به إلى من لا يحسنون القراءة والكتابة. لست أطلب من أي منكم أن يغير رأيه بالعمل، ما أتمناه عليكم أن تعطوا العمل فرصة لتقديم نفسه قبل أن تحكموا عليه، فالأحكام المسبقة لا تليق بكم ولا تليق بالشاعر الكبير. «هدأت الحملة قليلاً لكنها سرعان ما نشبت في مكان آخر».
لست هنا بصدد الدفاع عن عملي فهو وحده الذي يفترض به أن يدافع عن نفسه، لكنني أريد أن أصحح معلومات وردت في لقاء مع الأستاذ زكي درويش الروائي والكاتب الفلسطيني وشقيق الشاعر، يقول الأستاذ زكي إن المسلسل قد « كتب بسرعة» وهذا غير صحيح فالعمل استغرقت كتابته أكثر من عامين، أي أربعة أضعاف المدة الطبيعية لكتابة مسلسل، وأنا عاتب على الأستاذ زكي لأنه نسب لي القول بأنني استندت إلى كتاب واحد للشاعر الكبير هو «في حضرة الغياب» وأنا لم أقل مثل هذا الكلام مطلقاً لأنه ببساطة، غير صحيح، فأنا لم أترك شيئاً كتبه الشاعر، أو كتب عنه لم أقرأه. ولم أفوت أياً من الأفلام واللقاءات التي ظهر فيها، وهذا ما سيبدو جلياً في المسلسل الذي حكموا عليه قبل أن يروه!
تقتضي النزاهة أن نشير إلى أن أصواتاً عقلانية قد ارتفعت للرد على حالة(الغيرة القاتلة)هذه، فقد سأل أحمد مسّلم الغيارى لِمَ لمْ يشحذوا «الأقلام قبل هذا الوقت ولم يكتبوا السيرة الذاتية للشاعر» وتساءل: «.. كيف يكون لبعض «المستثقفين»- أجلكم اللـه- رأي في عمل فني لم يشاهدوه»!
قبيل الانتهاء من كتابة هذه الزاوية اتصل بي أحد الأصدقاء وأبلغني أن فيصل حوراني قد ظهر في تقرير على قناة «الجزيرة» ذكر فيه أنه قد قدم لي ملاحظات على النص لم أتقيد بها، والحق أن الأستاذ فيصل زار دمشق، وأبلغ الفنان فراس إبراهيم بأنه مكلف قراءة النص، وبعد أن زودته الشركة بكل حلقات المسلسل مطبوعة، التقيت به وزوجته النمساوية في نادي الصحفيين بدمشق، فأبلغني أنه اطلع على ثلاث حلقات فقط، هي الأولى والسادسة عشرة والسادسة والعشرين – النص بحوزتي وعليه ملاحظات فيصل- والحق أنه لم تكن لفيصل على الحلقة الأولى سوى ملاحظتين مهمتين أخذنا بهما، الأولى بشأن تدقيق اللهجة الفلسطينية، والثانية بشأن «عدم حب محمود لتبادل القبلات». كذلك أبدى فيصل ملاحظة (مهمة) أخرى، لم آخذ بها، إذ قال إن عبد الناصر قد ذكر اسم الشاعر في أحد خطاباته، وأنه التقاه في القاهرة، وهذا ما يؤكد درويش نفسه عدم صحته في رسالة وجهها إلى سميح القاسم بتاريخ 22/6/1986 لأن عبد الناصر توفي قبل أن تطأ قدم الشاعر تراب مصر.
بعض من أصدقاء درويش نقموا على المسلسل لأنه على حد قولهم «لا يمثل محمود درويش الحقيقي» وكأنهم بهذا يريدون من المسلسل أن يبعث الشاعر الكبير حياً، وهذا أمر غير ممكن طبعاً، فمحمود درويش الحقيقي في ذمة اللـه أما إبداعه فموجود في كتبه، وما على من لا يعجبهم المسلسل إلا أن يرجعوا إلى كتب الشاعر وتسجيلاته المسموعة والمرئية التي سيبقى خالداً فيها ما بقي الدهر.

07/08/2011

                                                                                                          حسن م يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.