تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

باب (لو)!

«أُسَلِّمُكَ بلداً فيه أربعة ملايين زعيم». في كل يوم أتذكر هذه العبارة التي قالها أبو الاستقلال الزعيم شكري القوتلي لعبد الناصر عندما تنازل له عن رئاسة الجمهورية كي تقوم دولة الوحدة بين سورية ومصر.

فنزعة الزعامة لدينا نحن السوريين لم تزدد أفقياً بتضاعف عددنا خمس مرات وحسب، بل تفاقمت شاقولياً داخل نفوسنا حتى بات رأس كل واحد منا أشبه بمؤتمر للقمة في حالة انعقاد دائم!
معظم من ألتقي بهم من مواطنيَّ الأعزاء يسألونني عن رأيي بآفاق المحنة المأساوية التي يمر بها بلدنا، غير أن بعض هؤلاء، يمارسون الاكتفاء الذاتي بكفاءة عالية، إذ يشرعون في الإجابة عن أسئلتهم بأنفسهم مباشرة، وغالباً مايفتحون باب (لو) ويتسللون من خلاله إلى مجالس الرؤساء والملوك للجلوس على كراسيهم واتخاذ القرارات (المصيبة) نيابة عنهم.
صدق من قال: «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»، فعندما كنت صغيراً قرأت على قفا ورقة انتزعتها من روزنامة الحائط قولاً رافقني طوال عمري: «لا تصحب غنياً، فإنك إن ساويته في الإنفاق أضرَّ بك، وإن تفضل عليك استذلَّك. «وقد لعب هذا القول دوراً حاسماً ومستمراً في معظم علاقاتي الشخصية، لكن لكل قاعدة استثناء، وقد كان فوز أهم استثناء في علاقتي بالأغنياء، فهو يحسن الإصغاء كما يجيد الكلام، ويقدِّر الموسيقا والثقافة بشكل عام، على عكس جل أمثاله، ما جعلني أسميه منذ نحو ربع قرن (آخر الرجال المحترمين).
لا أذكر أننا اتفقنا في النقاش ولو مرة واحدة، لكن اختلاف آرائنا لم يكن يعمي رؤيتنا، وفي كل مرة كنا نفترق كان الخلاف بيننا يزداد والمودَّة تزيد!
في آخر لقاء اتفقت مع فوز على أن الحوار الحقيقي هو السبيل الأمثل للخروج من المحنة التي تهدد بلدنا، ولا بد لهذا الحوار أن يتمخض عن ميثاق وطني للعيش المشترك، يضمن حقوق الجميع ويحدد واجباتهم على أساس من المساواة التامة بغض النظر عن الولاء والمعتقد والعرق. لكننا سرعان ما اختلفنا من جديد، إذ قال فوز إن صراعنا مع الغرب أثبت أنه صفقة خاسرة، فكوريا في خمسينيات القرن الماضي كانت تستعين بخبراء النسيج السوريين، ومتوسط دخل الفرد السوري في تلك المرحلة كان أعلى من متوسط دخل الفرد الماليزي، والحل الوحيد برأيه هو أن ننحني للعاصفة وأن نحذو حذو اليابان وتركيا للالتحاق بركب التطور، فلو فعلنا هذا لسرق الغرب جزءاً كبيراً من خيرات بلادنا لكنه سيترك لنا أكثر مما لدينا الآن، وسيجد نفسه مرغماً على السماح لنا بتحقيق تنمية اقتصادية يستفيد منها الجميع.
قلت لفوز إن الغرب لن يقبلنا ولن يساعدنا حتى ولو خرجنا من جلودنا، ففي ختام الحوار العميق الذي أجراه المبدع الكبير سعد اللـه ونوس مع المفكر أنطون مقدسي، قال المقدسي إنه عندما سافر إلى فرنسا كان على جانب كبير من الإعجاب بالحضارة الفرنسية، وكان جل طموحه أن يندمج بالمجتمع الفرنسي، لكن الفرنسيين لم يسمحوا له بذلك، لأنه كلما اقترب منهم أكثر كانوا يبتعدون عنه ويذكرونه بأنه (آخر). وقد كان لهذا دور شديد في تحول المقدسي إلى واحد من أهم المفكرين القوميين في الوطن العربي.
قال فوز: لو..
قلت: لو تفتح عمل الشيطان..
وكما في كل مرة افترقنا وقد زاد الخلاف بيننا وازدادت المودَّة 

                                                                                                          حسن م.يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.