تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بعد أن فقدت مصداقيتها واستقلالها.. لا تراهنوا على اوروبا

 

رئيس تحرير مجلة البيادر السياسي المقدسية: جاك خزمو

 

 

 

من المفروض أن يكون الدور الاوروبي سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في العالم أفضل بكثير مما هو عليه الآن.. لان مصالح اوروبا مرتبطة بمنطقتنا، وكذلك هي أقرب جغرافياً الى هذه المنطقة.

كانت اوروبا تتخذ مواقف مستقلة في السابق، لكن منذ عقد أو أكثر تحوّلت من قارة مستقلة إلى قارة تابعة، لا بل متذيلة للقطب الواحد الأوحد في العالم، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالحها، ولو كان مساً بكرامتها وحتى بأمنها.

لا يستطيع أحد القول اليوم أن المواقف الاوروبية مميّزة عن الموقف الاميركي، ولا يستطيع أيضاً الاعتماد أو المراهنة على هذا الموقف، لانه مخادع ومضلل ويفتقر الى المصداقية والواقعية.

كنا نعتقد بأن اوروبا تتفهم منطقة الشرق الأوسط افضل بكثير من الولايات المتحدة ومن دول جنوب اميركا وجنوب شرق آسيا، ولكن الواقع أن اوروبا تتغاضى عن هذا الفهم وتتجاهله خدمة لمصالحها أو خدمة لمصالح اميركا وخاصة ان مصالح اميركا هي فوق مصالح الجميع.

وكنا نراهن على ان الموقف الأوروبي تجاه قضيتنا جاد جداً، ويؤمن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكنا نعتقد بأن الدعم الاوروبي لنا ثابت وصلب وقوي، وكنا نؤمن أيضاً بأن اوروبا التي دوما وباستمرار تؤيد حل الدولتين، ستدعم الطلب الفلسطيني للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران 1967. وراهن كثيرون على هذا الموقف، ومدحوه في كثير من الاحيان، لكن الواقع يختلف كاملاً.

من مصلحة اوروبا ألا نكون "ممزقين" و"مشتتين"، ومن مصلحتها ألا نكون ضعفاء، ومن المصلحة الاوروبية العليا أن تقف الى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن مصلحتها أن تكون صادقة، وان تمنع التوتر في المنطقة لان تصعيده سيصيبها عاجلاً أم آجلاً.

لكن يبدو أن جميع القادة الاوروبيين الحاكمين حالياً هم اميركيون بالفكر، وموالون لاميركا أكثر من ولائهم لدولهم وشعوبهم، وخير أمثلة على ذلك:-

·        دعم الموقف الاميركي في العراق، مع أن اميركا احتلت العراق عام 2003 من دون أية موافقة دولية وضد رغبات الشعوب الاوروبية.

·        مساندة اميركا في ما يسمى "محاربة الارهاب" في أفغانستان، والتورط في هذا المستنقع.

·        الانجرار وراء اميركا في التخلي عن "زعماء" عرب كانوا أصدقاء لاوروبا، وعلى علاقة وطيدة بقادتهم مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي.

·        التخلي وبسرعة عن صداقتهم مع الرئيس الليبي معمر القذافي والتآمر عليه، والمشاركة في تدمير ليبيا تحت يافطة تحقيق الديمقراطية والحرية على غرار ما جرى في العراق ولكن في حالة ليبيا بغطاء دولي!

·        الاتحاد الاوروبي مجرور الى حد كبير بالموقف الاميركي تجاه سورية، إذ أنه يتمادى في اتخاذ اجراءات ضد سورية، شعباً وقيادة، تحت شعارات حماية حقوق الانسان، ولدعم تركيا في تآمرها على سورية ودعم الارهابيين الذين يعتدون على المواطنين السوريين الابرياء. أي أن اوروبا تدعم تدمير سورية، وتظن أنها بفعلتها هذه، وتذيلها للموقف الاميركي في اقرار عقوبات اقتصادية على سورية، سيكون ذلك لمصلحتها.. انه بالعكس، مخالف ومعاد للمصالح الاوروبية. وقد خسرت اوروبا سورية إذ قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم: لقد نسينا وجود اوروبا على خارطة العالم، أي أن سورية تتوجه حالياً نحو الشرق، نحو آسيا وجنوب شرق آسيا ولن يتم التعامل معها بعد الآن.

ولننظر الى الموقف الاوروبي تجاه اقامة دولة فلسطينية، فإنني أذكر أن الوفود الاوروبية الرسمية منذ اواسط الثمانينات كانت تقول لنا خلال زيارتها لأراضينا المحتلة واللقاء بقيادات الداخل انها مع اقامة الدولة الفلسطينية، وتدعم هذا الموقف وستسانده، ولكن نرى ونجد اليوم ان الدول الاوروبية لا تدعم بقوة التوجه الفلسطيني للامم المتحدة، ومترددة في التصويت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران 1967، فهي تضحك علينا برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي من بعثة الى سفارة، وفي الوقت نفسه لا تضمن تصويتها لصالح الاعتراف بدولتنا الفلسطينية، علماً أن هذه الدولة حق مشروع لنا، وهناك أكثر من قرار دولي يتعلق بهذا الأمر وفي مقدمتها قرار رقم 181.

أي أن اوروبا ليست مستقلة، وهي تحت سيطرة النفوذ و"الاستعمار" الاميركي الجديد.. اوروبا غير صادقة ولا جادة، ولا يمكن الاعتماد عليها حاليا.. فهي تقف الى جانب القوي، وعندما نكون أقوياء فإنها تقف الى جانبنا، اما لأننا ضعفاء وبحاجة إلى دعمها الحالي فهي تتقلب وتتلون في مواقفها حسب ما يرضي اسرائيل والادارة الاميركية.

من هنا يمكن القول علينا أن "نشطب" اوروبا أيضاً من قائمة الدول المساندة لشعبنا، وان نضعها في قائمة الملونين والمتقلبين وغير الصادقين.

وعلينا أن نقول لاوروبا كفى ضحكاً علينا منذ عشرات السنوات، لان موقفك الحالي أصبح واضحاً، ومغايراً لما كنت تخدعيننا به. وعندما نتحدث عن اوروبا، نتحدث عن الحكام وأصحاب القرار، ولا نعني الشعوب إذ نكن لها كل صداقة ومودة واحترام لمواقفها المتضامنة معنا والمؤيدة لحقوقنا.

لقد تعرّت وازيلت الأقنعة عن وجوه قادة اوروبا لنرى حقيقتها الآن. فكفى دجلاً علينا، وكفى خداعاً.. وعليكم ان تعترفوا بأن لا قرارا مستقلا لديكم، وانكم تابعون لاميركا، ولهذا فلا حاجة للاعتماد أو الرهان عليكم.. واعلموا أن هذه السياسة قد تؤلم وتغضب الفلسطينيين، ولكنها ستسيء لاوروبا أيضاً لانكم ستدفعون الثمن، وهذا ما ستثبته الاشهر والسنوات القادمة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.