تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جعجعة المعارضة السورية..

خاص/ محطة أخبار سورية

 

تتسم التجارب الديمقراطية العريقة في العالم في الغالب بوجود حزب حاكم أو أحزاب حاكمة وحزب أو أحزاب أخرى معارضة مثلما يحدث في فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة أو اليابان...الخ. ومهمة أحزاب المعارضة تكون بشكل عام متابعة ممارسات السلطة والتركيز على الأخطاء والتقصير لتصويب المسار والعودة إلى الحكم حين تسمح الظروف ولكن ببرنامج انتخابي ومنهج عمل جديد يكون أفضل من السابق، بحيث يقود تبادل السلطة بين الأطراف، البلاد إلى الأمام وإلى مزيد من الرفاه والتقدم.

وما رأيناه من "بعض" المعارضة السورية حتى الآن هو الشتائم وتحميل النظام في سورية مسؤولية كلّ شيء وكلّ فشل، وكأن الفكرة الوحيدة للمعارضة التي تسعى إلى تحقيقها هي تشويه صورة النظام السوري عبر السباب واختلاق المشاكل وافتعالها وتحريض الشارع واستدعاء الخارج للتدخل...الخ، وصولاً إلى السعي لإسقاط النظام، دون تقديم أي فكرة عن البديل الذي لديها، والذي علمتنا تجارب الدول المجاورة أنه يمتد من الفوضى والحرب الخارجية والتدخل الخارجي وصولاً إلى الحرب الأهلية وتقسيم البلاد وتخريبها وتدمير بنيتها والأمثلة شاهدة من الصومال إلى اليمن والعراق وليبيا.

وكأن جلّ همّ معظم المعارضة هو إسقاط النظام والوصول إلى السلطة وبعدها لكلّ حادث حديث، مع أنّ أحداً لا يضمن كيف ستسير الأمور لو حدث ذلك!! بالطبع لن يقنع أحد هذا المنهج المعارض الذي توقعنا مع بدء الحديث عن وجود المعارضة أن يكون لها منهج وخطّ بناء مفيد للوطن؛ فعملية الهدم والتخريب لما هو قائم قد تكون سهلة وربما يمكن تنفيذها بسرعة إذا أراد أحد الخراب، لكنَّ إعادة الإعمار والتطوير هي المشكلة وهي العملية الصعبة التي تحتاج لوقت وجهود جبّارة.

وما كان مطلوباً من المعارضة الوطنية السورية، وما يزال، هو برنامج تطوير حقيقي ومنهج عمل "وطني" بامتياز يساهم في استقرار وتطوير البلد وتقدمه، وليس استدعاءً للتدخل الخارجي واستعانة بأمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها؛ تلك الدول التي لن تحضر إلا لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل حائط الدفاع الأول عنها.

قد يقول البعض إن قمع النظام الطويل للمعارضة هو الذي أفقر تجربتها وشتتها. لنقلْ: ربما! ولكن هذا كلام مردود عليه. فتاريخ المعارضات التي نشأت وتطوّرت لم يكن في فنادق الخمس نجوم ولا في الأكاديميات كما حال المعارضة السورية التي تتنقل بين فنادق اسطنبول وباريس والدوحة وتحصل على الشيكات ولديها الأرصدة المصرفية وتحظى باستقبال ودعم وتوجيه وإرشادات وزارات الخارجية الغربية سرّاً وعلانية؛ مالياً ودبلوماسياً وسياسياً وإعلامياً ولوجستياً.. وربما هناك أكثر من ذلك!

وعندما قرأت كتاب نيلسون مانديلا "طريقي إلى الحرية"، ذكّرني بأنه قبل أن يكون رئيساً لجنوب إفريقيا لمدة خمسة سنوات، وقبل أن يتخلى هو "طواعية" عن الرئاسة، وقبل أن يُلقّب بـ"أبو الأمة"، كان في السجن لمدة/27/ عاماً وكانت الولايات المتحدة ـ وربما ما زالت تدرج اسمه على قائمة الإرهاب. لم يحظ مانديلا طيلة فترة نضاله بلقاء وزير الخارجية الأمريكي ولا البريطاني أو الفرنسي، كما حظي السيد برهان غليون، ولا توفرت له منابر إعلامية مثل قناة الجزيرة والعربية والبي بي سي وغيرها!! ولم "يحظ" بالإقامة في فنادق النجوم، بل كان يكتب مذكراته ويقود حركته التحررية من غرفته الصغيرة في السجن.

ما أراه، كمواطن سوري، حتى الآن من أداء "بعض" المعارضة السورية في الدخل، و"معظم" أداء هؤلاء في الخارج، لا يدعو للاطمئنان أبداً. وزاد خوفي بعدما تحدّث المقدم المنشق عن الجيش العربي السوري حسين هرموش، الذي قدّم صورة بائسة وسيئة للغاية عن أسماء تدّعي الصدارة في صفوف المعارضة؛ فالكذب والنفاق وقبض الشيكات والفساد لا يفيد الوطن ولا يخدمه؛ وأمثال هؤلاء المعارضين قد يفعلوا كلّ شيء للوصول إلى السلطة من عبد الحليم خدام إلى زهير الصدّيق؛ وما يدعو للخوف أكثر هو "استنجاد" بعضهم بالخارج بالتزامن مع دعوات تحريض مماثلة تصدر في صحفٍ وقنواتٍ تلفزيونية عربية، يطالب أصحابها علانية ودون خجل وبكلّ وقاحة بالتدخل الغربي وحصار سورية واحتلالها لإجبارها على تغيير سياساتها.

بالمقابل، قدّم النظام في سورية إثباتات حقيقية على جديته بالإصلاح والتغيير الذي أصبح واقعاً على الارض. وأول ملامح هذه الجدية هي الاعتراف بالتقصير وبوجود مشكلة وحصول أخطاء وهذه المرحلة الأولى للإصلاح، وأن هناك مطالب شعبية محقّة يجب تلبيتها وهذه المرحلة الثانية في الإصلاح.. أمّا وقد صدرت قوانين عديدة مثل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام... فإنه لم يعد ممكناً العودة بالبلاد إلى ما كانت عليه قبل بداية الأحداث وهذه هي القاعدة الثالثة للإصلاح التي تستكمل "بالتطبيق الفعلي" والعصري للقوانين والأنظمة، وعبر استكمالها.

وإذا كان النظام في سورية قد ارتقى إلى مستوى المسؤولية فعلاً وبدأ مرحلة جديدة بدأت تعطي ثمارها واقعياً، فإن المطلوب من المعارضة أن تتحمّل مسؤوليتها في هذه اللحظة التاريخية أيضاً في بناء الوطن وأن تكفّ عن المناورات والمشاغبات " والحرتقات" وإدعاء الانتصارات الوهمية أو الأخرى القادمة والمسوّفة، والتي تدعي " في انتظار غودو" أنها ستتحقق في الأشهر الستّة القادمة ولكنها لم ولن تحصل أبداً، وأن تكفّ عن الاعتماد على الخارج وأن تطرح برنامجاً مفيداً وبنّاء يّقنع الناس والمواطنين، وإلاّ فلتصمت.. أمْ أن النظام سبقها وتخطاها في تقديم ما لديه والبدء بعملية الإصلاح، فوقفت حائرة مرتبكة مشتتة كما تشير معظم مصادرها؛ لديها الشعارات وليس لديها المشروع!!

هذا وقت العمل والبناء وليس تحقيق المكاسب والسعي إلى السلطة لتلبية وتحقيق رغبات شخصية. المطلوب أن نعمل معاً كسوريين لبناء الوطن وزيادة منعته ورفعته وليس عبر قيام كلّ منّا أن بثقب موقعه على السفينة ونحن نركبها في عرض البحر الهائج. سمعنا جعجعة كثيرة من المعارضة أصمّت آذاننا ولكننا لم نرَ طحيناً، فمتى!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.