تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

البناء: عقوبات على سورية..السحر ينقلب على الساحر

 

محطة أخبار سورية

ما من شك، ووفق المعطيات اليومية على المستوى الميداني، وعلى مستوى التصعيد العربي والدولي، أن الرياح السورية بدأت تميل لصالح النظام، في ظل التراجع الذي يحصل على المستويين العربي والغربي حيال الملف الداخلي من جهة، وتراجع حجم التظاهرات ضد النظام من جهة أخرى.

 

فبالأمس أعلنت تركيا أنها ليست في وارد السماح بانطلاق أي عمل عسكري من أرضها في اتجاه سورية، وترافق هذا الموقف اللافت في توقيته مع اعلان أمين عام الجامعة العربية من أن الجامعة بصدد إعادة درس قرار فرض العقوبات الاقتصادية على دمشق.

 

وبين هذا الموقف وذاك، بقي منسوب الدعم الروسي للقيادة السورية مرتفعاً، بالتزامن مع استمرار رفض القيادة الروسية لاستخدام القوة ضد سورية تحت أي عنوان من العناوين، وهو ما يجعل القيادة السورية أكثر ارتياحاً إزاء التعامل مع الضغوط الهائلة التي تمارس عليها من كل حدب وصوب، وقد أظهرت سورية في تعاطيها مع الأزمة الراهنة على أنها تتمتع بنفَس طويل، ومن الصعب جداً أن يقدر أحد على إضعافها، فقد مرّت سورية بتجارب مماثلة على مدى الأعوام الماضية، وكانت تخرج في كل مرة أكثر قوة وأكثر مناعة وصلابة وذلك بفعل وعي وحكمة قيادتها في عهد الراحل الرئيس حافظ الأسد الذي قال عنه يوماً أحد الكتّاب الأميركيين، من أنه على استعداد لكي يحفر بئراً بإبرة في إشارة منه إلى ما يتمتع به من نفس طويل، وكذلك هو الحال اليوم بالنسبة الى الرئيس بشار الأسد الذي يحذو حذو والده في تعامله مع الأزمات في الداخل وحيال الخارج، إذ أنه ليس في وارد تقديم أي تنازلات ولو كانت بحجم ضئيل، على حساب المصلحة الوطنية والقضايا القومية، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية ومسألة دعم قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.

 

وفي قراءة للمشهد السوري وما يحيط به من حِراك إقليمي ودولي، بعضه خبيث والبعض الآخر ينطلق من خلفية العمل للحؤول دون دخول المنطقة في آتون حرب مكلفة للمنطقة برمتها، يظهر أن السحر بدأ ينقلب على الساحر، فها هي العقوبات الاقتصادية، بدلاً من أن تؤذي سورية، بدأ الصراخ ينطلق من بعض الدول التي شاركت في القرار من أن هذه العقوبات لها سلبياتها المباشرة على بلادهم، أكثر مما قد تصيب سورية بالضيق وهو ما حمل البعض في جامعة الدول العربية على إبداء الاستعداد لإعادة النظر في تلك العقوبات وإن مشروطة من باب حفظ ماء الوجه لا أكثر ولا أقل.

 

وفي تقدير المراقبين أن هذا القرار سيجري التراجع عنه عاجلاً أم آجلاً، وإن استمر لبعض الوقت، فإنه لن يؤثر على سورية التي تتمتع باكتفاء ذاتي من المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن السوري المحصن إلى حد كبير تجاه أي حصار يمكن أن يفرض عليه، فهو الذي كان يضع في حساباته أنه من الممكن أن تدخل بلاده في حرب مع «إسرائيل» قد تستمر أشهراً أو سنوات وهو على هذا الأساس أن يضع أجندة تخوله الصمود حيال أي حصار أو افتقاد للمواد الأولية، فكيف والحال إذا كانت العقوبات محدودة ومن جهات محددة.

 

ويقول هؤلاء إن تغيير بعض الدول المجاورة لسورية مسار التبادل التجاري والاستيراد والتصدير سيجعلها تدفع أضعاف أضعاف ما كانت تدفعه خلال الاستيراد عن طريق سورية، ما يجعل كلفة ما تستورد مرتفعة جداً وتشكل عبئاً كبيراً على المستهلك في تلك الدول التي سينالها هي أيضاً نصيب وافر من هذه الأعباء لا طاقة لها على تحملها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مختلف دول المنطقة.

 

هذا على مستوى العقوبات الاقتصادية، أما على مستوى تحقيق هدف إزاحة النظام في سورية فهذا بالتأكيد من سابع لا بل من عاشر المستحيلات لأسباب متعددة أبرزها أن غالبية الشعب السوري ملتفة حول قيادتها، وبالتالي فلا وجود لبيئة قادرة أن تحضن أي عمل عسكري يأتي من الداخل أو الخارج، وثاني الاستحالات أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب الاتحاد الأوروبي طولاً وعرضاً وتهدد معظم الدول الأعضاء فيه بالإفلاس، وفي المقدمة فرنسا وإيطاليا، وثالث الاستحالات أن الولايات المتحدة التي تقف على عتبة الانسحاب من العراق في غضون الأسبوعين المقبلين لن يكون في مقدورها شن حرب على أية دولة، وهي تجر وراءها أذيال الخيبة والهزيمة من العراق. أمام هذه الوقائع ومثيلاتها، فشلت بعض الدول وفي مقدمها قطر في إمكانية تدويل الأزمة السورية، وبذلك فإن الكرة الآن أصبحت في ملعب الدول التي ناصبت سورية العداء واتخذت حيالها قرار العقوبات، وهي لن تجد أمامها مع قابل الأيام إلا التفتيش عن المخرج الذي وضعت نفسها فيه، بعد أن تكون القيادة السورية أنهت الوضع الشاذ في الداخل، وبعد أن تكون أميركا قد خرجت من العراق، ولن تفكر بعد الآن بالعودة إلى هذه المنطقة التي باتت تشكل بالنسبة إليها نفقاً، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، وهي بالتأكيد ستختار السلامة، ناهيك عن الأوراق الكثيرة التي تملكها سورية، والتي تجعلها قوية في الدفاع عن نفسها.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.