تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عصام نعمان: القوة الناعمة تخشوشن ولا حرب إقليمية

 

محطة أخبار سورية

يحار المرء في توصيف خصوم النظام للوضع في سورية. ثمة تباينات، بل تناقضات، واضحة وأحياناً فاضحة في توصيفهم لما جرى ويجري في بلاد الشام.. المعارضة، لاسيما الخارجية، تصرّ على القول إن تظاهرات أنصارها سلمية، فيما أكد أحد أبرز الناطقين باسمها، برهان غليون، ضرورة "تفادي نشوب حرب أهلية بأي ثمن"، وأوضح أنه طلب من قائد "الجيش السوري الحر" العقيد المتقاعد رياض الأسعد أن "يقصر أنشطته على حماية المتظاهرين، وألاّ يشن مطلقاً هجمات أو عمليات ضد قوات الجيش السوري".كلام غليون يكشف، مداورةً، ان ما يسمى "الجيش السوري الحر" يقوم فعلاً بشن هجمات ضد الجيش السوري. صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت هذه الحقيقة بإشارتها إلى قيام "الجيش السوري الحر" بتنظيم شبكة تهريب إلى سورية من داخل تركيا لإرسال جنود وأسلحة وإمدادات طبية، وأن التوترات تتصاعد بين "الجيش الحر" و"المجلس الوطني" (جماعة غليون) بسبب إصرار "الجيش" إياه على عدم اقتصار نشاطه على "الأعمال الدفاعية"!

غليون، كان قد عرّف الحرب الأهلية بأنها تعني "وقوف جيش ضد جيش". حسناً، أليس "الجيش السوري الحر " جيشاً في مفهوم غليون وتصريحاته؟ أفلا تكون هجماته وعملياته "الدفاعية" ضد الجيش السوري، شكلاً من أشكال الحرب الأهلية ؟ صحيفة "ميلليت" التركية كشفت أن خبراء عسكريين من الولايات المتحدة والحلف الاطلسي يقومون بتدريب المسلَّحين السوريين في منطقة قريبة من مدينة هكاري جنوب شرق تركيا. ونقلت عن الموظفة السابقة في مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي سيبيل ايدموندز قولها إنها حصلت على معلومات تشير إلى ان تدريب الجنود السوريين المنشقين بدأ في شهر أيار الماضي، وان الأميركيين "يهرّبون الأسلحة إلى المقاتلين السوريين عبر قاعـدة انجرليك في تركيا، ويقدّمون المعونة المالية لهم".هذه المعلومات التي لم تكذّبها إدارة اوباما تؤكد أن ما يقوم به "الجيش الحر" من هجمات وعمليات يدخل في إطار الحرب الأهلية كما يعرّفها غليون نفسه. غير ان للجنة الدولية للصليب الاحمر رأياً مغايراً. فقد وجدت ان الوضع الانساني في سورية خطير، لكن البلاد لا ينطبق عليها وصف الحرب الأهلية. ففي ردٍ على سؤال، قال رئيس الصليب الاحمر الدولي، جاكوب كلينبرجر، "إنها ليست حربا أهلية بعد. إني أجري مناقشات مع خبرائنا القانونيين، واعتقد انهم يشعرون بأن الوضع لا ينطبق عليه هذا الوصف حتى الآن".إذا كان ما يجري ليس حرباً أهلية كاملة، بعد، فهل تراه يكون شكلاًَ من اشكال التمهيد لحرب اقليمية تستهدف سورية وايران معاً؟ المسؤولون الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون يستبعدون، حتى الآن، تدخلاً عسكرياً في سورية. مسؤول كبير في الحلف الاطلسي قال لصحافيين عرب حضروا إلى بروكسل لمتابعة اجتماع وزراء خارجية الحلف المخصص لاستعراض نتائج التدخل الاطلسي في ليبيا: "إن سورية ليست على اجندة الأطلسي، ولن نتدخل من دون تفويض دولي. وإذا كان لدى اي دولة عضو في الحلف نية التدخل في سورية، فمن واجبها ان تبلّغ الحلف بخططها، إلاّ اننا لم نتبلّغ شيئاً حتى اليوم".

وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو قال في حوار مع صحيفة "حرييت" إن الحديث عن تدخل عسكري خارجي في سورية مجرد شائعات. لا تركيا ولا فرنسا تساند هذه الفكرة. كما ان الإنسحاب الأميركي من العراق عامل آخر في عدم ترجيح هذا الخيار.غير ان داود اوغلو ابقى الباب موارباً أمام التدخل العسكري مستقبلاً بقوله: "تركيا لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية لأحد، لكن إذا لاح خطر على الامن الاقليمي، حينها لن يكون في وسعنا ان نقف مكتوفي الايدي".هذا الاستدراك من طرف داود اوغلو يمكن تفسيره بأن له صلة بإحتمال انفجار الوضع في المنطقة نتيجةَ قيام "اسرائيل"، منفردةً أو بضوء أحمر أميركي، بتوجيه ضربة عسكرية إلى ايران. غير ان ما من دليل اكيد يشير إلى أن هذا الاحتمال وارد في المستقبل المنظور.لا حرب أهلية ولا حرب إقليمية، فما عساه يكون التوصيف الصحيح للوضع الراهن في سورية حالياً؟ ان نظرة متآنية إلى الوضع تشي بحقائق خمس:

اولاها، تراجع تظاهرات أنصار المعارضة واقتصارها، في الارياف، على مسيرات محدودة وتشييع جثامين الضحايا. في المقابل ثمة اتساع في عدد ورقعة التظاهرات المؤيدة للرئيس بشار الاسد، ولتحقيق مطلب الاكثرية الساحقة من السوريين في الاستقرار والسلم الأهلي.

ثانيتها، تزايد عمليات المجموعات المسلحة في أرياف محافظات ادلب ودرعا ودمشق وحمص، ولا سيما في مدينة حمص ذاتها، التي بلغت ذروتها في تفجير انبوب للنفط في الشمال الغربي منها. هذه العمليات تسبب بخسائر بشرية ومادية جمّة وتصاحبها، كما تنجم عنها صدامات مذهبية دموية توقد نار حرب أهلية محتملة.

ثالثتها، استمرار التباين، بل الخلاف، بين أطراف المعارضـة الداخلية والمعارضة الخارجية لأسباب متعددة، اهمها اثنان: رفض المعارضة الداخلية عسكرة الانتفاضة الإصلاحية وبالتالي التدخل الخارجي الذي تستسيغه المعارضة الخارجية بصيغ مختلفة، وميل المعارضة الداخلية إلى قبول مبدأ الحوار المشروط مع أهل النظام بواسطة الجامعة العربية، في حين ترفض المعارضة الخارجية مبدأ الحوار وتصرّ على شعار اسقاط النظام.

رابعتها، تصميم النظام على تنفيذ برنامجه الإصلاحي بدءاً بإجراء انتخابات المجالس المحلية مطلعَ الأسبوع الجاري، وصولاً إلى إعلان اللجنة الدستورية صيغة الاصلاحات والتعديلات المطلوب إدخالها في صلب الدستور واهمها إلغاء المادة الثامنة منه القائلة إن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، ومن ثم إجـراء انتخابات مجلس الشعب في شهر شباط المقبل .

خامستها، احتدام الجدل داخل النظام كما المعارضة حول جدوى أو لاجدوى قبول أو رفض سورية مبادرة الجامعة العربية ومن ضمنها ادخال فريق من المراقبين لمراقبة تطبيق قرارات الجامعة لوقف العنف وبدء الحوار. فبعض اطراف المعارضة يتمسّك بطلب ادخال المراقبين لأن مجرد دخولهم سيؤدي، في رأيهم، إلى رفع معنويات المعارضين والى تأجيج التظاهرات المعادية للنظام، بينما ينصح بعض أركان النظام بوجوب عدم إدخال المراقبين إلى البلاد إلاّ وفق شروطه وذلك تفادياً لاستغلال المراقبين في العمليات المسلحة الجارية بما تشكله من تمهيد لتدخل خارجي مرتقب.

يتحصّل من هذه الحقائق والمواقف والإرهاصات، ان لا حرب أهلية، بعد، في سورية بحسب معايير القانون الدولي، كما لا دلائل بازغة على حرب اقليمية وشيكة. لعل التوصيف الدقيق لما يجري حالياً هو ان القوى المعادية لسورية، نظاماً وشعباً ومقاومةً، تقوم بتصعيد ملحوظ لأعمال سياسية وأمنية حادة تخشوشن معها القوة الناعمة التي يجري توظيفها ضدَّ الدولة والمجتمع بغية استنزافهما معاً أملاً في ان يُمسي النظام غير قادرٍ على الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب في الداخل وتجاه الحلفاء في الخارج.

 

البناء

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.