تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

من دفتر الوطن - ما أكثر ما لا نعرف

محطة أخبار سورية

في مطلع الشباب كانت قصيدة إيليا أبو ماضي المشهورة جداً «الطلاسم» واحدة من القصائد المفضلة لدي ومع كل «لست أدري» ترد فيها تنهال عليَّ أسئلة معلقة في الهواء بانتظار إجابات بعضها لم يأت بعد.

 "لست أدري"عبارة قصيرة الزمن وقليلة العدد لكنها في حقيقتها بحر من «الطلاسم» الذي لا يمكن للإنسان إلا أن يقف أمامها حائراً متسائلاً حتى الدهشة عن أشياء يبدو العيش دون معرفتها أمراً ناقصاً.

مع مرور الزمن قلت لدي «لست أدري» أو هكذا خيّل إليّ ثم تجاهلاً أو تناسياً أصبحت نادرة الحضور.. لكن الواقع أن غيابها كان جهلاً أكثر منه تجاهلاً وكان نسياناً أوضح منه تناسياً.

وفي الأحداث الكبرى تتجلى «لست أدري» في أبهى صورها... فهي تطل عليك في زحمة التفاصيل ملأى بالألغاز المرّة والصعبة وتأخذك إلى دهاليز أكثر ظلمة من الظلام!!

ألم يقل العرب «ما أكثر ما لا أعرف»!! إنها عبارة معبرة إلى حدود الألم... ابن عربي يعتقد أن العرب أكثر الأمم حيرة يقول: فكانت الحيرة في أهل الأفكار منا أكثر من الأمم ومن تعب من الفكر وقف حيث تعب ومنه من وقف في الحيرة فقال «لست أدري».

ورغم أن استخدام عبارة «لست أدري» دليل علم، كما قيل لا أدري نصف العلم، إلا أن البعض يفتي في كل شيء ويتحدث عن «الطلاسم» كما لو أنه يقرأ في كتاب مفتوح.

وأظن أن جزءاً من المشاكل التي نعانيها هو قلة استخدام «لست أدري»!!

ففي كل الأوساط.. نشاهد على الشاشات ونقرأ في الصحف عن آراء متباينة ومختلفة ومعقدة لدرجة يبدو كل واحد منهم قد ختم العلم كله... يأخذ شكل المفكر هيئة ولغة ويتحف الناس بقراءات للمستقبل كما لو أنه قارئ فنجان!!

ثم إن استخدام «لست أدري» مع كل ما يبدو عليها من صعوبة هي في واقع الأمر أكبر الدوافع وأهمها للوصول إلى «أدري»... فعدم المعرفة هي حافز للمعرفة، ومن النصائح غير المأثورة «تعلم قول لا أدري فإنك إن قلت لا أدري علموك حتى تدري»!! وتتابع النصيحة لكنك إن قلت أدري سألوك حتى لا تدري!!

لكن الذي يحدث أن كثيرين منا يخجلون من «لست أدري» وثمة ما هو أخطر من مجرد الخجل عندما يدعي البعض أنه يحتكر معرفة الأشياء كل الأشياء... ويتحدث عنها بيقين مريب.

وفي الأزمات ذات الخصومات يدعي كل طرف أنه فقط يمتلك الدراية بكل الحقيقة وغيره لا يملكون غير الأكاذيب.. ومثل هذا النمط من التفكير يؤجج الأزمات ولا يساعد على حلها.

أخيراً.. لست أدري وما أكثر ما لا أعرف!!

 

من الطلاسم:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري

كم فتاة مثل ليلى وفتى كابن الملوح

أنفقا الساعات في الشاطئ تشكو وهو يشرح

كلما حدث أصغت وإذا قال ترنح

أحفيف الموج سرٌ ضيّعاه

لست أدري؟

 

*- عبد الفتاح العوض

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.