تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

في ذكرى النكبة..لماذا يعلن (الثوار) والمرشحون للرئاسة .. حفاظهم على أمن إسرائيل والموت عشقاً فى (كامب ديفيد) ؟!

                                                                                                   بقلم د. رفعت سيد أحمد

* إن ما يجري هذه الأيام، سواء في مصر أو في غيرها من بلاد العرب، من هجوم وتكفير وتنفير  ضد ثقافة المقاومة ولقواها المجاهدة، يستوقف المراقب ويؤلم المثقف المهموم حقا بقضايا أمته وبالتوازى يستوقفه أيضاً وبعد مرور 64 عاماً علي النكبة، هذه الهرولة العربية ناحية العدو، حتى من أصحاب الثورات (انظر تصريحات ومواقف السلفيين والإخوان المسلمين وبعض رموز التيارات اليسارية القومية من المرشحين للرئاسة من كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكيف يتبتلون عشقاً فى إعلانهم الإبقاء عليه وعدم المساس بها) . إن هذا لمما يحزن القلب حقاً ، ويجعلنا نشك أن هذه الثورات ثورات حقيقية ، وأن شيئاً ما قد تغير إذ لايزال نفس المنهج وذات الأدوات وبخاصة تجاه فلسطين ، دونما تقدير لمصالح أو مشاعر أمة اكتوت بنار الاحتلال والاغتصاب والعدوان، إن هؤلاء الثوار المزعومون وإعلامهم المجن، هم النسخة المعاصرة من حكام وأعلام النكبة، ولكن في شكل جديد أكثر عولمة وزخرفة ودجل، ولكي نبرهن على هذه النتيجة دعونا نتأمل ومن واقع وثائق حرب فلسطين وملفات العسكريين المصريين والتي أعددناها وأصدرناها قبل سنوات في كتابنا الموسوعي (وثائق حرب فلسطين ـ مكبتة مدبولي ـ القاهرة ـ 1987)، أبرز الدروس والعبر المستفادة من تلك الحرب التاريخية في مسار الصراع العربي الصهيوني؛ يمكننا بلورة هذه الدروس التي تفسر وتجيب عن السؤال المركزي الذي لا يزال حاضراً وطازجاً ومراً: "لماذا هزمنا" ؟! يحدثنا التاريخ أن ثمة عشرة أسباب رئيسية تسببت فى هزيمة 1948 على النحو التالي:

غياب الهدف الاستراتجى اللحرب:

لقد أدى التدخل السياسي المستمر في هذه الحرب إلى أن تسير دون غرض استراتيجي محدد، فالحكومة المصرية وقتذاك لم تبين بوضوح لرئاسة هيئة أركان حرب الجيش، في أي وقت من الأوقات، الغرض الحربي من هذه الحرب، بل كانت الأغراض المؤقتة تعطى للقيادة في الميدان تلفونياً أولاً بأول، وقد نتج عن ذلك ارتباط القائد بالأراضي التي احتلها حيث أنها أصبحت الغرض الوحيد الواضح أمامه، وتعرضت القوات العربية للاشتباك في عمليات لا لزوم لها إلا المحافظة على هذه الأراضي، كما كان الجنود يسألون دائماً عن الغرض من الحرب خصوصاً في الفترات الأخيرة من العمليات وقد كان لذلك تأثيره السلبى على الروح المعنوية والمقدرة على القتال.

فقدان مبدأ الحشد العسكري والسياسي:

لم تكن للحكومات العربية عام 1948سياسة قاطعة حيال المشكلة الفلسطينية قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، ومع ذلك أنشئ معسكر للتدريب بالعريش في أكتوبر 1947، وكانت القوة التي تعمل به عبارة عن "كتيبة من المشاة وكتيبة مدافع ماكينة"، وعندما ظهرت بوادر تخلي الحكومة البريطانية عن انتدابها في فلسطين طلبت رئاسة الجيش (في شهر مارس 1948) عدة طلبات حتى مكنها تجهيز قوة مجموعة لواء كاملة للتدريب استعداداً للتدخل في فلسطين (15 مايو 1948) ولكن جميع هذه المطالب لم تجب في الوقت المناسب لها، بسبب عدم البت في خطة سياسية ثابتة للحكومة في ذلك الوقت.

والغريب أنه قد تقررت سياسة الحكومة المصرية ـ على سبيل المثال ـ حيال مشكلة فلسطين، أو على الأقل أخطرت رئاسة الجيش رسمياً بهذه السياسة قبل التدخل العسكري الفعلي بأربعة أيام فقط، وبذلك لم يتسع الوقت لإجراء أي حشد لقوات الجيش عدا مجموعة لواء ناقصة التسليح والتدريب، جمعت على عجل من مناطق مختلفة، ثم أمرت بدخول فلسطين.

انهيار مبدأ خفة الحركة:

نتج عن قصر المدة التي جرت فيها التجهيزات أن دخلت القوات العربية المعركة دون أن يكون لديها وسائل الحملة الميكانيكية الكافية أو وحدات الاستطلاع والوحدات المدرعة الأخرى، وقد ظل هذا النقص ملموساً من أول العمليات حتى انتهائها.

نتج عما سبق عجز القوات عن تطبيق مبدأ خفة الحركة خصوصاً في المراحل الأخيرة من العمليات، وبالتالي فقدت ميزة المبادأة التي انتقلت للعدو، وأصبح الجيش يعمل على خطوط مواصلات طويلة مهددة لا تمكنه من خفة الحركة، بينما يعمل العدو على مواصلات داخلية قصية آمنة تمكنه من تطبيق هذا المبدأ على أوسع مدى ممكن.

فقدان مبدأ الأمن:

فرضت "السياسة التي ينتهجها الحكام العرب على قادة القوات العربية بفلسطين التقدم السريع في أول الحرب؛ فتقدمت القوات المصرية إلى غزة ثم إلى المجدل وأسدود، وإلى الخليل وبيت لحم، ثم احتلال خط المجد إلى الخليل، ثم اضطرت القوات تنفيذاً لذلك إلى ترك عدد كبير من المستعمرات ومواقعه القوية خلف خطوط المواصلات مما كان محل تهديد دائم لهذه الخطوط، ثم فرضت السياسة أيضاً دوام احتلال هذه المناطق بأي ثمن في الوقت الذي لم تتمكن فيه من إحضار أسلحة أو عتاد جديد، وتمكن العدو فيه من زيادة قوته أضعافاً مضاعفة، وإكمال تسليحها وتدريبها تماماً ،وبذلك انقلب الأمر وأصبحت القوات المصرية مهددة تهديداً أساسياً في المناطق التي يحتلها بدلاً من أن تهدد مواقع العدو فيها، ونفس الأمر ينسحب على باقي القوات العربية مما أدى إلى فقدان تام لمبدأ الأمن الاستراتيجي، وانهيار خطط الدفاع العربية أمام هجمات حرب العصابات اليهودية وقتذاك.

                         ) فقدان مبدأ الاقتصاد في القوة:

اضطرت السياسة العربية الحاكمة قادة القوات بفلسطين إلى احتلال مناطق واسعة، وكانت هذه المناطق أكبر بكثير مما يسمح به حجم القوات، وبذلك اضطر القادة الى احتلالها كلها بقوات صغيرة ذات دفاعات رقيقة متباعدة غير متماسكة ،ولم يتمكنوا في أي وقت من تجميع أي قوة لازمة لأي عملية يضطرون للقيام بها أو لاستخدامها لإيقاف هجمات العدو وتهديده لخطوط مواصلاتها.

تمكن (العدو) بناء على ذلك من جعل القوات العربية في حالة تيقظ تام واستعداد مستمر باستخدامه قوات صغيرة خفيفة الحركة للقيام بأي هجوم على النقط الضعيفة في دفاعاتها، وقد تمكن من اختراق هذه الدفاعات عندما توفرت لديه القوة اللازمة لذلك، أي أن (العدو) طبّق هذا المبدأ تماماً في حين أن القوات العربية عجزت عن تطبيقه.

                                               ) غياب مبدأ العمل الهجومي التعرضي:

تمكنت القوات العربية من تطبيق هذا المبدأ في الأيام الأولى من العمليات فقط، حيث كانت لديها ميزة المبادأة والتفوق في التسليح والسيادة الجوية، وبذلك أصبحت متمكنة من مهاجمة العدو وتهديد مستعمراته المتعددة وقواه المتفرقة، التي لم تكن لديه الوسائل الكافية للدفاع عنها بأجمعها.

ولكن الحال انعكست بمجرد أن أرغمت المطالب السياسية الحاكمة القوات العربية على احتلال أراض واسعة والدفاع عنها، فارتبطت القوات بالأرض واضطرت للدفاع عن مناطق كبيرة متباعدة، وانتقلت ميزة المبادأة بالعمليات إلى العدو الذي قصرت خطوط مواصلاته، فزال التهديد عن مستعمراته المنعزلة التي لم تكن لدى العرب قوات كافية لمحاصراتها أو الاستيلاء عليها.

مبدأ المفاجأة:

جاء قرار الحكومات العربية بالتدخل عسكرياً في فلسطين في آخر لحظة قبل بدء التدخل فعلاً، وبذلك كانت المفاجأة لرئاسات الجيوش العربية وليست للعدو وكانت رسائل المخابرات في ذلك الوقت بالغة النقص، وظلت كذلك أثناء العمليات، ولك يكن لديها لا الوقت ولا الوسائل اللازمة لجمع المعلومات عن العدو وعن قواته وتحصيناته ومواقعه، وقد كانت قوة تحصينات العدو وأسلحته مفاجأة تامة للقاوت العربية، بل إن مواقع بعض المستعمرات كانت مجهولة للقوات.

) غياب مبدأ التعاون محلياً وعربياً:

تمكن القوات المصرية ـ فقط وإلى حد ما ـ من تطبيق هذا المبدأ بين أسلحتها البرية والبحرية في أغلب العمليات التي اشتركت فيها، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أنه المبدأ الوحيد الذي لا يتأثر (في داخلية الجيش) بالعوامل السياسية.

أما التعاون بين القوات المصرية والقوات العربية الأخرى فقد كان في حكم المنعدم تقريباً، لعدم وجود قيادة موحدة تشرف على العمليات جميعها، ولعدم صفاء النية نحو الغرض المشترك.

فالقوات الجوية المصرية كانت تقدم المعاونة التي يطلبها الجيش الأردني في المراحل الأولى من العمليات دون تردد، وكذلك زحفت القوات الأرضية واحتلت (عجور وعرطوف) معاونة للأردنيين، ولكن لما جاء الدور على الجيش الأردني لتخفيف ضغط العدو على القوات المصرية بالهجوم على جبهته لم يتم تحقيق المعاونة المطلوبة.

هذا وقد كان للتدخل السياسي آثار أخرى ضارة بمسار الحرب، فقد اضطرت القوات العربية إلى قبول مواقف ومعارك كان من الأصوب تلافيها.

                           ) عدم استكمال الشئون الإدارية للجيوش:

لقد أضيفت الشئون الإدارية كمبدأ مهم إلى مبادئ الحرب المعروفة وكان ذلك عقب الحرب العالمية الثانية وذلك نظراً لتأثيرها على العمليات.

وعندما بدأت حملة فلسطين في 15 مايو 1948 لم تكن الجيوش العربية مستكملة للشئون الإدارية، فعلى سبيل المثال نجد أن الوحدات كافة كانت تنقصها الحملات الميكانيكية بشكل واضح ومؤثر ولم تكن هناك وسائل كافية لنقل الوقود والمياه وكما كانت المطابخ الميدانية قليلة.

وعندما اتسعت رقعة العمليات وتعددت الوحدات زاد الضغط على طلبات الذخيرة والأدوات الدفاعية والمخازن الميدانية كافة، ولذلك ركنت القيادة العامة في مصر (على سبيل المثال) إلى عمليات الاستيلاء على المركبات المدنية لتواجه النقص الملموس في الحملات الميكانيكية وفي غيرها من الأفرع الإدارية.

                                              ) انهيار الروح المعنوية:

يتفق المحللون العسكريون على أن الروح المعنوية الطيبة إذا ما توافرت تعتبر من أكبر الدوافع لإحراز النصر. وقد ظهر ذلك جلياً منذ فجر التاريخ في جميع الحروب.

ولقد دخلت القوات العربية وفي مقدمتها القوات المصرية ـ على سبيل المثال ـ فلسطين، وكانت الظروف تتمشى مع وجود روح معنوية قوية، الأمر الذي كان يعوض إلى حد ما النقص في النواحي الأخرى واستمر الحال على هذا المنوال حتى فترة الهدنة الثانية.

ولما تبدلت الظروف وعمد الاستعمار الغربي (البريطاني ـ الأمريكي) إلى معاضدة الصهيونيين الذين تدفقت عليهم الأسلحة من كل مكان، تبدلت الحال وتأثرت الروح المعنوية للقوات، ولم يكن مستطاعاً السيطرة التامة على هذه الروح ولاسيما وأن الحال لم تكن لتؤهل لذلك، فكان لهذا كله الأثر البالغ في نتيجة العمليات في الفترة الأخيرة وقد صحبت ذلك كله مشاكل الأسلحة والذخائر الفاسدة وما إلى ذلك، وأدى هذا جميعه إلى التدرج النفسي في قبول الهزيمة أمام الصهاينة.

*        *        *        *        *        *

* هذه العوامل العشرة ، لاتزال للأسف قائمة ، ولاتزال النخبة الحاكمة والثائرة تكررها ، فهل نعيش هزيمة جديدة لا تقل قسوة عن هزيمة 1948 لأننا لا نتعلم ولا نبنى استراتيجية للمقاومة حقيقية ، تؤمن بأن أمن مصر القومى يبدأ من فلسطين ، وكذلك أمن أغلب بلداننا العربية ، وأن نجاح الثورات الشعبية الحقيقية يكون باستحضار فلسطين فى كل البرامج والخطط ، ومن غير ذلك ، فإن النكبة للأسف ستتكرر مهما ادعينا غير ذلك . والله أعلم .

 

E-mail: yafafr@hotmail.com

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.