تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأميركيون لا يعرفون معنى الحوار وقيمته

محطة أخبار سورية



الشعوب كالأفراد لها اهتماماتها وآمالها وبرامجها وخططها وأهدافها وتطلعاتها المستقبلية، ولأن الأفراد هم المكون الأساس للشعوب يصبح التطور الاجتماعي الإنساني الفردي هو المقياس الدقيق الذي تُبنى عليه معرفة مدى التحضر الشعبي لمجتمع أي دولة موجودة على مساحة الكرة الأرضية، ولا شك أن العمق الحضاري الممتد في التاريخ لأي شعب من الشعوب يمكن أن يكون مؤشراً صادقاً على حق هذا الشعب في أن يفاخر غيره بتراثه وأصالته وحضارته التي تسمح له أن يمتلك قدرة خاصة على التعامل مع كل الأحداث والمستجدات بوعي وفهم مستندين إلى ثقافة متجذرة في حياته.

وهذا يجيز لنا القول إنه من العبث المقارنة بين شعب كالشعب السوري تمتد حضارته إلى قرابة عشرة آلاف سنة وشعب مثل شعب الولايات المتحدة الأميركية لا يصل عمر حضارته إلى ثلاثمئة سنة، ومعروف بأنه خليط من جنسيات وقوميات وألوان وأعراق وثقافات مختلفة اجتمعت على أرض جديدة مكتَشفة لتقضي على أصحابها الأصليين وتبنى حضارتها الهجينة ودولتها العدوانية المتسترة بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها رياء ونفاقاً، وهي أكثر دول العالم بعداً عن تطبيق هذه الشعارات على الأرض، كما أن الأميركيين هم أكثر شعوب العالم عدم معرفة بمعنى وقيمة الحوار على المستوى الوطني الداخلي، لذلك هم دائماً يرفضون أي حوار وطني يمكن أن يؤدي إلى حل المشاكل القائمة في بعض البلدان وقيام أنظمة ديمقراطية حقيقية خارجة عن الهيمنة الأميركية، وأوضح مثال على ذلك التشكيك الأميركي المتواصل بنجاح أي حوار وطني شامل في سورية، ووضع كل العراقيل لمنع إجراء مثل هذا الحوار حتى لو كان ذلك على حساب الدم السوري البريء.

وللتأكيد أن الشعب الأميركي لا يعرف الحوار ويستعيض عنه باستخدام كل الوسائل الأخرى بما فيها السلاح لحل المشكلات الداخلية والخارجية ذات العلاقة المباشرة به نستعيد بعضاً من تفاصيل تاريخ الولايات المتحدة الأميركية منذ إنشائها حتى اليوم، وفي هذه التفاصيل ما يكفي من الأدلة والبراهين على ما نتحدث عنه:

الوافدون الأوائل إلى الأرض الأميركية وخاصة من بريطانيا ودول أوروبا وهم في الأغلب من المغامرين والباحثين عن الثروة والسلطة من شذاذ الآفاق والمحكومين الهاربين من أحكامهم وسجونهم كان هدفهم الرئيس هو القضاء على الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين حتى لا ينازعوهم السيطرة على الأرض وثرواتها، لذلك لم يلجؤوا إلى الحوار معهم للاتفاق على طريقة للعيش المشترك وتقاسم الثروة والحياة من خلال بناء الدولة الجديدة، وإنما لجؤوا إلى حرب إبادة شاملة منظمة لم تبق منهم إلا بؤراً بسيطة تنتشر في بعض المناطق الجبلية النائية.

الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي استمرت سنوات طويلة وذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأميركيين لفرض سيطرة أحد طرفيها على الآخر لم يحدث أن جرى خلالها أي حوار بين الطرفين لوضع حد للعمليات العسكرية وحقن الدماء، واستمرت حتى انتصار أحد طرفيها وفرض سيطرته ورأيه على الآخر.

الأميركيون من الأصول الإفريقية الذين يشكلون النسبة الأعلى بين أفراد الشعب الأميركي الذين ينتمون إلى منشأ واحد أصبح أكثرهم بعد قرنين ونيف من الحضارة الأميركية المزورة التي اكتسبوها في المجتمع الجديد يتحدثون بمنطق العنجهية والصلف الذي اكتسبوه من حياتهم الجديدة على الرغم من السجل القهري والدموي واللاإنساني الذي عاشه أجدادهم منذ أحضرهم المهاجرون الأوائل ذوو الأصول الأوروبية لاستخدامهم كعبيد للحصول على ثروات الأرض الجديدة، والنماذج المؤكدة لذلك كثيرة.

الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم لم يسبقها أي حوار، وكانت دائماً تتم بمنطق القوة والهيمنة العسكرية للسيطرة على البلدان الأخرى طمعاً في ثرواتها والتحكم بمقدرات شعوبها ولتأكيد الهاجس الأميركي الموجود دائماً وتعاظم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي بأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة على سطح الأرض التي لها الحق في التحكم بمن تريد وفرض نفوذها حيثما ترد وبالأسلوب الذي تريد، وهي المسوغات التي دفعتها لغزو فيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها، وقتل الملايين من شعوب العالم بالوسائل المباشرة كإلقاء القنبلة الذرية على مدينتين يابانيتين وغير المباشرة كالتآمر وتجنيد العملاء والمرتزقة لقلب الأنظمة السياسية وخلع الرؤساء والحكومات بالقوة، وحتى الهزائم الأميركية في فيتنام والعراق وأميركا اللاتينية وخروج الأميركيين المذل من الدول التي غزوها تم بالمقاومة وليس بالحوار.

منطق القوة وليس الحوار هو السائد في المجتمع الأميركي ويسيطر على حياة الأميركيين منذ بدايات إنشاء الولايات المتحدة، وحتى في أبسط القواعد يلجأ الأميركي إلى السلاح لحل مشكلاته وتاريخ الغرب الأميركي مملوء بالوقائع التي تثبت ذلك، ويؤكد النظام السياسي القائم وجود حزبين رئيسين هما الجمهوري والديمقراطي يتبادلان الحكم على أن التفرد هو السمة السائدة لذلك لم نسمع عن مرحلة حدث فيها حوار وتآلف بين الحزبين لحكم البلاد معاً وتقاسم السلطة، كما أنه لا وجود لمنصب رئيس الوزراء في الولايات المتحدة حتى لا يحاور الرئيس ويشاركه في الحكم وصنع القرار.

التعامل الأميركي مع المنظمات الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن واليونيسكو ومجلس حقوق الإنسان وغيرها والدول الأخرى يقوم على الهيمنة وليس الحوار والاستماع لرأيها وأحياناً اللجوء إلى مقاطعتها واتخاذ قرارات متطرفة بشأنها وخاصة إذا كانت إسرائيل طرفاً في مشكلة مع هذه المنظمات أو الدول.

لا حوار مع الدول التي تخالف الأميركيين الرأي والموقف والسياسة مثل سورية وإيران وكوبا وفنزويلا و...، بل اتهامات ومؤامرات وتهديد وعقوبات وحتى اعتداء إن توافرت المسوغات، وحتى الحلفاء والأتباع والعملاء ليسوا بمنأى عن تخلي الولايات المتحدة عنهم عند انتهاء الحاجة إليهم كما حدث في تونس ومصر ودول أخرى.. وهكذا نخلص إلى معرفة السبب الحقيقي وراء تآمر الولايات المتحدة على سورية ورفضها لكل الإصلاحات التي تمت فيها، والقيام بكل ما من شأنه منع إجراء حوار وطني شامل بين جميع أطياف الشعب السوري ينهي الحرب الإرهابية الكونية والتجييش الإعلامي الحاقد على السوريين ويؤسس لبناء الدولة السورية الديمقراطية التعددية القادرة على هزيمة الأميركيين وأتباعهم من آل سعود وآل ثاني والعثمانيين الجدد ومن لف لفهم وإسقاطهم في عقر دارهم، وكشف أن ديمقراطية هؤلاء جميعاً وخاصة الولايات المتحدة كذبة كبرى لم تعد تنطلي على أحد.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.