تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ما الجديد في جولة بوتين الشرق أوسطية الثانية؟

مصدر الصورة
انباء موسكو

محطة أخبار سورية

كتب طه عبد الواحد
صحيح أن أياما قد مضت على ختام فلاديمير بوتين جولة شرق أوسطية هي الأولى له بعد توليه الرئاسة في روسيا في أيار/مايو  العام الجاري، والثانية له رئيساً، حيث كان قد أجرى جولة مماثلة عام 2005 خلال رئاسته الأولى لروسيا، إلا أن مثل هذه الجولات التي يجريها قادة الدول الكبرى لاسيما إلى منطقة الشرق الأوسط التي يبدو أن التنافس بين مراكز القوى العالمية جار للسيطرة عليها منذ بدء الخليقة، تبقى حدثاً مهماً يتطلب الوقفة تلو الأخرى في محاولة لقراءة الأهداف المرجوة منها والنتائج المتمخضة عنها، وتأثيراتها على الوضعين الإقليمي والدولي، ذلك أنه ليس بجديد القول إن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتطوراتها تبقى الأكثر تأثيراً من أية أحداث في أي منطقة أخرى من العالم على الأمن والاستقرار الدوليين. ناهيك عن أنها تؤثر بصورة مباشرة ورئيسية على أمن واستقرار روسيا كما وعلى مصالحها الحيوية والإستراتيجية.

 

لقد جاءت الجولة الحالية للرئيس الروسي في منطقة الشرق الأوسط في ظل ظروف مختلفة تماماً عن تلك التي هيمنت على المنطقة خلال جولته السابقة. فالربيع العربي من جانب ورد الفعل الروسي عليه من جانب آخر كونا جملة معطيات جديدة جعلت من جولة بوتين الحالية حدثاً غاية في الأهمية يختلف بفحواه وطبيعته عن طبيعة ونتائج جولته عام 2005. واللافت هنا أن الرئيس الروسي الذي حمل معه إلى تل أبيب ورام الله والقاهرة عام 2005 مقترحاً باستضافة موسكو مؤتمراً دولياً لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، لم يركز في محادثاته مع الجانب الإسرائيلي هذه المرة على ملف التسوية، ولم يقدم أية مقترحات جديدة، ولم يكرر دعوته السابقة لاستضافة بلاده مؤتمراًَ دولياً للتسوية، الأمر الذي دفع البعض إلى الاعتقاد بأن روسيا ودعت نهائياً فكرة قيامها بلعب دور رئيسي وحاسم في تسوية هذا النزاع، وتخلت عما من شأن مثل هذا الدور أن يتركه على تعزيز لنفوذها في المنطقة.

 

إلا أن الأمر حقيقة ليس كذلك فالقيادة الروسية تسعى اليوم أكثر مما سبق إلى تعزيز وجودها ونفوذها ودورها في المنطقة، وما زالت متمسكة بفكرة أن تكون روسيا صاحبة الإنجاز التاريخي في تحقيق تسوية للصراع العربي –الإسرائيلي ككل وليس مجرد تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهذه حقيقة تدركها القيادات في تل أبيب وبيت لحم وعمان، التي زارها بوتين. لذلك قال نتنياهو، مجاملاً أو مسايراً، إنه حمَّل بوتين رسالة إلى محمود عباس عبر فيها عن استعداده للقائه في أي مكان "المهم العودة إلى طاولة المفاوضات"، وللسبب ذاته طالب عباس الرئيس الروسي بعقد مؤتمر في موسكو للتسوية. وفي الأردن أكد العاهل الأردني أن روسيا تلعب دوراً هاماً إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا في إنهاء العنف في الأراضي الفلسطينية وتهيئة الظروف المناسبة لوضع عملية السلام في مسارها الصحيح.

 

وفي التصريحات لقادة الدول التي زارها بوتين ما يدل على إقرارهم بدور روسي هام ومؤثر في عملية التسوية، وفي المنطقة ككل. ويبدو هذا الإقرار نتيجة طبيعية للسياسة الروسية، لاسيما تعاطيها مع "الربيع العربي"، وتحديداً الأزمة السورية، التي ظهرت روسيا من خلالها كقوة تتمتع بنفوذ كبير وتؤثر مواقفها بصورة مباشرة على تطور الأحداث في الشرق الأوسط باتجاه تصعيد حدة التوتر أو استعادة الأمن والاستقرار فيها. وواضح اليوم أنه لم يعد بوسع الولايات المتحدة وأوروبا معاً، حتى وإن انضمت لهما الدول العربية، أن يحركوا ساكناً في ملفات ساخنة في المنطقة مثل حل الأزمة السورية أو أزمة الملف النووي الإيراني دون أخذ مواقف روسيا ومصالحها ورؤيتها لهذه الحلول بالحسبان.

 

من هذا المنطلق يبدو أن بوتين لم يجد من ضرورة في الحديث عن رغبة بلاده بلعب دور في التسوية التي تبقى الملف الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط والعالم، ولعله يدرك أن روسيا حصلت عبر تعاطيها مع الأزمة السورية بصورة رئيسية، وعبر تعاطيها مع أزمة الملف النووي الإيراني بصورة ما، على هذا الدور الذي ما زالت الشعوب العربية تأمل منه بأن يُوجه لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقتهم دون أن يعيدها من جديد إلى ساحة مواجهة مثلما كانت عليه الحال في العهد السوفيتي، يتردد فيها صدى التناقضات والخلافات الروسية - الغربية على شكل حروب بين دول في المنطقة، أو أزمات في داخل هذه الدولة أو تلك من الدول العربية.

 

ما لفت أنظار المتتبعين للسياسة الروسية بشكل عام، ونشاط الرئيس الروسي على وجه الخصوص، أن فلاديمير بوتين الذي رفض في زيارته الأولى لإسرائيل عام 2005 (أول زيارة لرئيس روسي لإسرائيل) زيارة حائط المبكى، واستبق محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين برفضه في حديث لقناة تلفزيونية إسرائيلية وقف التعاون التقني - العسكري مع سورية واعتبر إيران دولة صديقة لروسيا، قام خلال زيارته الحالية لإسرائيل بزيارة حائط المبكى وارتدى القبعة اليهودية على رأسه مثلما يفعل كل قادة الغرب حلفاء إسرائيل. الأغرب من كل ما سبق أن الأزمة السورية كانت ملفاً رئيسياً في محادثات بوتين - نتنياهو. وما زاد من غرابة الأمر هو تسريب صحيفة "فيدوموستي" الروسية يوم 26/6/2012 معلومات عن مصادر مطلعة حول إيقاف روسيا تنفيذ صفقة غير معلن عنها من قبل لتصدير منظومة "إس - 300" إلى سورية.

 

هذا الاختلاف بين جدول أعمال زيارته الأولى لإسرائيل وجدول أعمال جولته الثانية - الحالية ولَّد الكثير من التساؤلات في أوساط المحللين السياسيين حول ما الذي يريده بوتين من كل هذا، وترك انطباعاً سلبياً لدى الرأي العام العربي عموماً. إذ يرى الشارع العربي في زيارة قادة دول العالم لحائط المبكى، ولارتدائهم القبعة اليهودية بصورة رئيسية، مراسم إعلان الطاعة والولاء لإسرائيل. يقول البعض إن بوتين الذي رفض ارتداء القبعة في زيارته عام 2005، الأمر الذي دفع الجانب الإسرائيلي إلغاء زيارته لحائط المبكى مبرراً ذلك بدواع أمنية، قرر هذه المرة الابتعاد عن التعقيدات الشكلية التي لن تغير جوهر الأمر، كي يقيم الود مع تل أبيب أملاً في تمكين موسكو من لعب الدور الذي تتمناه في عملية التسوية، أو على الأقل أن لا تغلق تل أبيب الأبواب أمام هذا الدور مثلما فعل شارون رداً على رفع روسيا لخارطة الطريق إلى مجلس الأمن كي يتبناها، حينها صرح شارون بأنه لا يرى وسيطا في عملية التسوية سوى الولايات المتحدة.

 

كل هذه التعقيدات التي أحاطت بزيارة بوتين إلى إسرائيل، والشكلية في زيارته للأراضي الفلسطينية، لم تكن حاضرة على جدول أعماله في المملكة الأردنية الهاشمية، التي أجرى فيها محادثات مثمرة مع الملك الأردني عبدالله الثاني شملت ملفات هامة مثل عملية التسوية وسبل إحيائها، الوضع في العراق، أفغانستان، إلى جانب التعاون التجاري والعسكري بين البلدين، وأهمية تعزيزه. وبرز لدى روسيا الاتحادية خلال السنوات العشر الماضية اهتمام متزايد نحو تعزيز العلاقات مع الأردن، الأمر الذي يحيله المحللون والخبراء إلى مجموعة عوامل في مقدمتها السياسة الأردنية التي تحافظ على علاقات طيبة مع طرفي النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، إضافة إلى العلاقة الطيبة مع الغرب، وعلاقات طيبة خالية من الخلافات الجدية مع معظم الدول العربية، إلى جانب توفر الرغبة بإقامة علاقات تعاون طيبة ومثمرة وواسعة مع روسيا.

 

كل هذا يجعل من الأردن محط اهتمام السياسة الروسية. ومن نافلة القول إن السياسة الخارجية الروسية تقوم على مبدأ الانفتاح على الأطراف المتنازعة بما يضمن القدرة على لعب دور وساطة مثمر لحل النزاعات، والسياسة الأردنية تؤم السياسة الروسية في هذا الاتجاه، أي أنها سياسة تفسح المجال أمام المملكة للعب دور مساعد –هام في إنجاح أية مبادرات قد تطرحها روسيا لمعالجة الملفات الساخنة إقليمياً ودولياً. الملفات التي بحثها بوتين مع العاهل الأردني وشملت قضايا إقليمية وأخرى دولية تعزز صحة وجهة النظر حول رغبة روسيا بإقامة علاقات إستراتيجية مع الأردن لا شك بأن العمل على تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات ليس سوى بداية الطريق نحوها.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.