تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تدفق حر باتجاه واحد!

منذ أن انغمست في الوسط الصحفي في سبعينيات القرن الماضي استوقفتني عبارة «حرية تدفق المعلومات» التي كنت ولا أزال أصادفها في كل مقال أو دراسة أطالعها باللغة الإنجليزية حول الإعلام، حتى مر علي وقت ظننت فيه أن هذه العبارة هي روح الإعلام الغربي الحر، لكن مع تقدمي في العمر والتجربة اكتشفت أن الإعلام الغربي متعدد الأرواح ومتباين الحريات، فكل إعلامي له كامل الحرية في صياغة المواضيع التي تسمح له الجهة المالكة لوسيلته الإعلامية بتناولها، مع مراعاة (خصوصية) التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع باعتبار أن «الحقيقة ما قبل جبال البيرينه خطأ ما بعدها»!

ونظراً لأن البشر مولعين بإقامة الأعياد لكل شيء ينكمش، ففي أزمنة الكراهية بات لدينا عيد للحب وفي أوقات التصحر بات لدينا عيد مديد للشجرة، لذا فقد كان من الطبيعي أن تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول عام 1993 اعتبار يوم الثالث من أيار يوماً عالمياً لحرية الصحافة. ومنذ ذلك الحين بدأ الغرب يحتفل بهذا العيد باعتبار «أن الصحافة الحرة أمر لا غنى عنه لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان». كما جاء في الإعلان. ولم يفت الرئيس أوباما أن يؤكد ذلك بقوله: «... كلما زادت حرية تدفق المعلومات أصبحت المجتمعات أكثر قوة...».

والحق أن عبارة أوباما هذه تذكرني بالعبارة الأولى في إعلان استقلال الولايات المتحدة، التي تنص على ما يلي: « كل البشر ولدوا متساوين» ولن ندرك المعنى الدقيق لهذه العبارة إلا إذا علمنا أن عدداً من الآباء المؤسسين الموقعين على وثيقة الاستقلال، يزيد عددهم عن العشرة، كانوا يملكون (عبيداً)! غير أن توقيعهم على وثيقة الاستقلال لم يكن فيه أي تناقض من وجهة نظرهم، لأنهم بكل بساطة لم يكونوا يعتبرون إخوتنا المستعبدين من الأفارقة، بشراً.

وهذه الازدواجية كانت ولا تزال تحكم علاقتنا بالغرب. فهم يعتبرون الإساءة لرسولنا الكريم التي تمس كرامة جميع المسلمين في العالم البالغ عددهم 1.3 بليون نسمة أي خمس البشرية، تدخل في باب «حرية التعبير»، أما القول إن ضحايا المحرقة اليهودية كان أقل من ستة ملايين ولو بنفر واحد فهذه جريمة كبرى يعاقب مرتكبها بالغرامة والسجن رغم أن عدد اليهود في العالم هو نحو 13 مليوناً!

نعم الغرب مع (حرية تدفق المعلومات)، من جهته باتجاهنا، لكن عندما يباشر الشرق بإعلاء صوته والتعبير عن رأيه، فقد لا يتردد الغرب في إيجاد أو فبركة الحجة المناسبة لإخراسه!

المضحك أن جامعة الدول العربية تتجاهل منذ مدة نداءات المواطنين العرب المتكررة التي تطالب بحجب المحطات الإباحية، التي بدأت تظهر حتى على الأقمار العربية، إضافة لأكثر من 320 قناة إباحية مملوكة من رجال أعمال عرب إلى جانب ثلاثين محطة جنسية موجهة للعرب من رجال أعمال إسرائيليين على الأقمار الأوروبية. ولن ندرك خطورة هذا الأمر إلا إذا علمنا أن 38% من المراهقين في دول مجلس التعاون الخليجي ممن تتراوح أعمارهم بين 14 و20 عاماً يشاهدون هذه القنوات الإباحية، كما كشفت دراسة ميدانية أجريت حديثاً.

لست أعرف ما الحجة التي فبركها الغرب عندما استهدف قناة «المنار» لكنني واثق من أنها حجة مضحكة مثل اتهامه لقناة «الدنيا» الخاصة بتهمة «التحريض على العنف»!

نعم (العنف)!

من المعروف أنه ليس هناك من محرض على العنف في العالم أكثر من هوليوود فقد جاء في دراسة أميركية أنه لو قتل شخص أميركي في الواقع مقابل كل شخص يقتل في الأفلام والمسلسلات الأميركية التي تعرض داخل أميركا وخارجها، لفني الشعب الأميركي برمته خلال خمسين دقيقة وهذا يعني أنه يقتل في الأفلام الأميركية 369 مليون إنسان في كل ساعة!

المجد لشهداء الإعلام السوري.

 

                                                                                                         حسن م. يوسف

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.