تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ثورة...... الغرائز

تأخذ الدهشة والذهول أحد كبار صناع السياسة والجريمة في الغرب الأميركي حين يتحدث عن لغز يقضّ مضجعه فلا يجد له حلاً أو تفسيراً حين يقول: " كيف لهذا المجتمع السوري الذي يتكون من عشرات الطوائف والأعراق والانتماءات الثقافية المختلفة، أن يظل متماسكاً صامداً صابراً, مع كل هذا التحريض والشحن والتفجير, وكيف لهذه البنية التحتية البسيطة المتواضعة في سورية أن تواصل تقديم خدماتها الاقتصادية والخدمية دون أن تقصّر أو تتهاوى مع كل ذلك التخريب والتدمير"؟؟

لكن دهشة الرجل وذهوله يتبددان حين يتحدث محمد حسنين هيكل عن "الاكتفاء الذاتي" في سورية وأهم معاييره صوامع القمح الممتلئة من جهة، وانعدام الديون الخارجية من الجهة الثانية، وذلك هو الأساس فيما نتحدث عنه ليل نهار من حرية قرار وسيادة كاملة على أرضنا في سورية.. اكتفاء ذاتي يفتقده الكثيرون ممن حولنا رغم ثرواتهم الطائلة والكامنة، وهم الجوعى في أرضهم، ليس إلى القمح والرغيف وحبة الدواء فحسب، بل وحتى إلى اللحم البشري نهباً وغدراً واغتصاباً.. لحم النساء والعذارى وعابرات السبيل!

جازاكم الله بما فعلتم أيها "الثوار" وبما فعل السفهاء من أعراب وأغراب بنا وبسورية الوطن والأرض والانتماء.. وبالنساء من بناتنا وأخواتنا وحرائرنا، التائهات على وجوههن في مغتربات التشرد على الحدود هنا وهناك. جازاكم الله أيها "الثوار" بما ارتكبتم من ضيق الرؤية وقصر النظر وقلة الحيلة.. في تصريف "ثورتكم" وإعرابها وإخراجها، وفي تصريف غرائز الآخرين وإعرابها وإخراجها من أجسادهم الغريبة النتنة التي تحيط بنا اليوم وببناتنا ونسائنا.. لعقتم دمكم بألسنتكم.. وتركتم للآخرين أن يسيلوا دماءنا على الأرض الغريبة، تنكبتم السلاح وتركتم للآخرين أن يتنكبوا ظهورنا... وظهورهن من أخواتنا وبناتنا، استيقظتم في مواجهة جيشنا وجيشكم الوطني.. وغفلتم عن مواجهة الضباع البشرية تنهش لحمكم ولحمنا في غياهب اللجوء وداخل خيام "المساعدات الإنسانية" في تركيا كما في الأردن ولبنان وحتى العراق.

منذ الساعات الأولى المشؤومة لـ "ثورتكم"، ومنذ أوحوا إليكم بتغريب أطفالكم ونسائكم، بناتكم وأخواتكم وعجائزكم، من أجل صناعة مشكلة إنسانية مدوية ودسها في رصيدكم "الثوري"، همست وسائل الإعلام والصحافة بما يجري في عتمة المخيمات ومعسكرات اللجوء وتحت وطأة الحاجة إلى كسرة الخبز ورشفة الماء، وكشفوا بعضاً مما يفعله شبيحة بني عثمان في خيمات زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم وهنّ أخواتنا وبناتنا أيضاً، وكانت حصيلة الهمس الإعلامي التركي الأول على لسان حال صحيفة حرييت التركية أربعمئة حالة اغتصاب ظهر منها مئتان وخمسون حالة حمل، فيما أنتم غافلون أو متغافلون، تقاتلون وتقتتلون.. والضباع من "إخوة الإيمان" والمساعدات الإنسانية يقضمون لحمكم ولحمنا!

وكما في الأمس التركي القريب.. كذلك في اليوم الأردني واللبناني وربما العراقي والتركي أيضاً، تتصاعد همسات الإعلام ووسائله وعدساته وتقارير مراسليه لتتحول إلى دعوات علنية ومزادات على لحمنا وكرامات بناتنا، وحيث المتسترون بـ "السترة" يغلّفون ثورة الغرائز في أجسادهم النتنة ومكبات القمامة في عقولهم، فيدعون إلى الزواج من السوريات اللاجئات في المغتربات المجاورة لبلادهن، حفظاً لكراماتهن وحقوقهن كما يدعون، وما أبطال هذه الدعوات وأوائل "الفرسان" الميامين فيها.. إلا أولئك الذين أوغروا صدور أبنائنا وإخواننا من فصائل المعارضة المسلحة، فدفعوهم إلى حمل السلاح والتمرد وممارسة أعمال القتل والتخريب والتهجير، وإلى "تأمين" عائلاتهم وعائلات المهجرين على أيديهم من النساء والأطفال والبنات, لدى أصحاب تلك الدعوات وأولئك الفرسان، كي يسهل الانقضاض عليهم في العتمة ونهش لحمهم.. بل لحومهنّ على وجه التحديد.

فتصوروا مثل هذه الزواجات من السوريات اللاجئات كيف تتم وإلى أي أجل تصمد وبأي ثمن تُنجز، وتصوروا كيف تضطر إليها السوريات وتحت أي وطأة من الفاقة والعوز والاستغلال المبرمج والمغلف بأغلفة من التدين والتقى المزيّف، بينما هي الكفر عينه وقد تبدّى بأسمال شرعية، بل هي الدعارة ذاتها وقد جرى توثيقها بقلم وورقة وشهود زور... وبكثير كثير من الألم والحرقة.. والاغتصاب!

أعود لأقول: جازاكم الله أيها "الثوار" بما توهمتم السعي إليه والقتال من أجله من الحرية والديمقراطية.. فذهبتم إلى ميدان "الحرية" وأرسلتم السوريين والسوريات إلى مزادات العبيد والنخاسة البشرية، وفي المقدمة بناتكم ونساؤكم. جازاكم الله في ما ارتكبتم من الغباء السياسي والكارثة الاجتماعية والتدمير الأخلاقي.. وأنتم تتوهمون البناء والمنعة وحسن التدبير، فإن كنتم تعلمون فتلك مصيبة، وإن كنتم لا تعلمون فالمصيبة أعظم!

بين مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن ومؤخراً العراق، تحولت النساء من السوريات من بناتنا وأخواتنا، وعلى يدي "ثوار" الحرية والديمقراطية، إلى "بسطة لحم" بأسعار زهيدة ومنافسة بين يدي تجار المبادئ والسياسة والدين.. إلى وجبات دسمة وشبه مجانية.. تماماً كما المساعدات الإنسانية التي يتلقينها من مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها، وربما أرخص، فيما "الأحرار" يتحررون مما تبقى لديهم من وجدان وضمير وأخلاق!

أما آن لكم يا "ثوار" الغفلة أن تدركوا بعْد كيف يكون الوطن ملاذاً آمناً وكرامةً كاملةً وقراراً حراً سيداً مستقلاً؟ أما آن لكم أن تدركوا أن ثورة الجهل والجهالة في رؤوسكم الحامية أشعلت ثورة الغرائز من الضاحكين في وجوهكم الغارسين الخناجر في خاصرتكم؟ أما آن لكم أن تتعلموا أن فقه الثورة وجوهرها كرامة أولاً.. وأنتم تسفحون كراماتكم وكراماتنا فوق أرصفة العالم؟ وأن مآل الثورة حرية واستقلال.. وأنتم تتقيدون وتقيدوننا بأغلال الحصار والعدوان، وأن فلسفة الثورة تحرير العقول لا تحرير غرائز الآخرين... في أجسادنا؟؟

                                                                                                                            هدى العبود

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.