تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قش يغطي الدنيا

رحم اللـه أمي، كانت تقول لي: «الدنيا يا ابني مغطاية بقشة، هنياً له من لا يرفعها ...إلا أنني رغم احترامي لأمي وثقتي برجاحة عقلها اخترت ألا أكون ممن يتجاهلون القش الذي يغطي الدنيا، بل ممن يحاولون رفعه عن وجهها لجعلها تبدو على حقيقتها.

 وقد تكاثر القش على وجه دنياي خلال الفترة الماضية لذا أود أن أرفعه بالجملة.

 أول قشة رفعتها وجدت تحتها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وهو يبرر بوقاحة أسطورية قيام مجلة شارلي ايبدو الأسبوعية الفرنسية الساخرة بنشر رسوم كاريكاتورية تسيء لنبينا العربي محمد عليه الصلاة والسلام، قائلاً بتبجح مخجل إن «المبدأ في فرنسا هو حرية التعبير ويجب عدم المساس به». وما يجعل الطرطور واضحاً على رأس حفيد الجنرال غورو، هو أن جل محطات التلفزيون الفرنسية التي بثت تصريح فابيوس المتعجرف هذا، كانت تعرض في الوقت نفسه حكم القضاء الفرنسي بمنع مجلة «كلوزير» من بيع أو إعادة نشر الصور التي اقتنصها المصورون للأميرة كيت وهي عارية الصدر، خلال العطلة التي أمضتها مع زوجها الأمير وليام في جنوب فرنسا!لأن تلك الصور، كما جاء في حيثيات الحكم، قد «صدمت الرأي العام البريطاني وأججت غضب العائلة المالكة البريطانية».

 وكأني بفابيوس وأضرابه يقولون: إن مشاعر العائلة المالكة البريطانية التي لا يزيد عدد كل من ينتمون إليها على خمسة عشر ألف فرد، أهم من مشاعر المسلمين الذين يزيدون على مليار وستمئة مليون!

 ثاني قشة رفعتها طلع لي من تحتها الوليد بن طلال، فقد صرح الرجل مؤخراً أنه قد انقطع عن الصلاة مدة ثلاثة أشهر إلا أنه أنجز الفروض التي فاتته بليلة واحدة من الثامنة مساء حتى العاشرة صباحاً. وقد قام أحد الأصدقاء الفيسبوكيين بجمع الركعات وقسمها على المدة المحددة فتبين له أن حصة كل ركعة من الوقت لا تزيد على نصف دقيقة تقريباً، والمنطق يقول إن الركعة تمتد دقيقتين على الأقل! ثم يختم متهكماً ربما كان الأمير قد جلب معه بضعة فنانين من روتانا من أمثال فضل شاكر كي يصلوا عنه!

 ثالث قشة رفعتها برز لي من تحتها رجل ضئيل القيمة والقامة راح يكلمني أمام الناس بفوقية كما لو أنه ولي نعمتي وسيدي وتاج راسي، والحق أنني لا أقف عادة عند مثل هذه الحالات، فلا بأس بالنسبة لي أن يشعر من ليس له حساب، بأهميته على حسابي لبعض الوقت. لكن أكبر خزان في الدنيا يفيض بنقطة واحدة، وقد فضت!

 يعلم من يتابعني أنني لست من أصحاب الشعارات، لكنني أستطيع القول إنني ألزمت نفسي طوال حياتي بمبدأين الأول مخبأ في قصيدة لشاعر أميركا الأهم والت ويتمان: «إلى الولايات، إلى كل واحدة منها ومدينة فيها، قاومي كثيراً وأطيعي قليلاً، لأن أي ولاية أو مدينة أو أمة تطيع طاعة عمياء، لن تستعيد حريتها بعد ذلك أبداً».

 أما المبدأ الثاني فهو: «لا تتبع أحداً، ولا تسمح لأحد أن يكون تابعاً لك».

 وأعجب العجب هو أن معظم من حاولوا باستقتال مزعج أن يركبوا على أكتافي هم من سبق أن منعتهم من أن يكونوا تابعين لي!

 لقد عشت حياتي كلها معارضاً للخطأ موالياً لسورية، وقد حظيت بسخرية بعض الإعلاميين والفنانين الذين كانوا يعتبرونني مجنوناً لقيامي بحمل السلم بالعرض، ويتباهون أمامي بعلاقاتهم الشخصية مع المسؤولين والقيادات الأمنية، حيث تمكنوا بنجاح، خلال مسيراتهم الظافرة، من أكل السمكة وذيلها، والبيضة وقشرها، غير أن أعجب العجب هو أن هؤلاء أنفسهم عادوا مؤخراً كي يلعبوا معي اللعبة نفسها ولكن من الجهة المعاكسة!

 نعم، قد تكون الدنيا مغطاة بقشة، لكن آه، ما أصعب عدم رفعها!

                                                                                            حسن م. يوسف

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.