تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

اللوحة عن بعد

 

 

 

  

 

في قواعد تأمّل لوحة تشكيلية أن يبتعد الناظر عن اللوحة قرابة أضعاف حجمها، وفي قواعد السينما أن تجلس في آخر القاعة لا في مقدمتها، مما يترجم بفارق سعر التذاكر.

 تطبيقا على المشهد السياسي، لا يمكن لك أن تسوق تحليلا هادئا رؤيويا وموضوعويا، إن لم تتخذ مسافتك من الحدث، متجاوزا ما تفرضه آنيّة الخبر.

 مع فارق الحجم والتحدي، وفارق الإطار يذكرنا صراع الأصوليين الإسلاميين الجهاديين في سورية بالحرب العراقية الإيرانية، من حيث نظرية الاحتواء المزدوج التي نظّر لها استراتيجيون أمريكيون من أهمهم مارتن أنديك، اليهودي الصهيوني الذي رئس مركز دراسات منظمة الايباك ( اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة) في حين كان يقيم فرعا لهذا المركز في إسرائيل.

 الاحتواء اليوم ليس لدول، ولكن نظريته، إذ تبسّط، تعني تخلصك من عدوين في آن واحد بضرب أحدهما بالآخر، وصولا إلى إضعافهما معا والوصول إلى احتواء خطرهما.

 في سورية سيق الجهاديون من كل أنحاء العالم إلى قتال القوات النظامية( مراسلة الغارديان تؤكد أن الأوامر للمجموعات المسلحة، توجه في حلب بست لغات تعددها ومن بينها الفرنسية)، وصيغت التعديات بما يجبر الجيش السوري على التدخل المباشر، فخسر الجيش العربي الأعرق في مواجهة الاستعمار الغربي ومن ثم الصهيوني في الحرب الداخلية ما لم يخسره في مواجهة إسرائيل. تحولت الأرض السورية إلى مصفاة يتخلص فيها الجميع من قاعدته وأصولييه الجهاديين بتنظيماتهم المختلفة، المعروفة وتلك التي لا يعرف أحد كيف تشكّلت ولمن تتبع ومن الذي يحركها. حتى أن خيوط هذا التحريك ليست عمليا بيد الدول الممولة، لأنها هي بدورها تنفذ أوامر واستراتيجيات لم تضعها لكنها تنساق فيها صاغرة أو خائفة.

 وهنا سؤال يطرح نفسه: أفلم يكن ذلك برنامجا ذكيا بلورته الانتلجنسيا الأمنية الغربية، يقوم على دفع هؤلاء جميعا إلى سورية وتسهيل وتمويل انخراطهم في حفلة الدمار على أرضها، وهناك تضرب عدة عصافير بحجر: 1- تدمير الدولة والمجتمع السوريين 2- بلبلة وتحوير الحراك الشعبي حتى لا يبلغ مدى الثورة، ومنع القوى الحية في الشعب من تحقيق إرادتها في التخلص من إسار ماضي الطغيان لكي تنجز ما تستحق في غدها 3- كشف هوية هؤلاء الأفراد وهذه الخلايا على ساحات متعددة وخطرة 4- التخلص منها بتسفيرها 5- قتل اكبر عدد من هؤلاء على يد القوات السورية، أي تدمير جسمهم القوي 6- ربطهم استخباراتيا وتمويليا بدول وأجهزة أطلسية أو عاملة لحساب الأطلسي 7- تأمين بيع كميات هائلة من الأسلحة لهؤلاء يعود ثمنها إلى صناديق مصانع الأسلحة الغربية، خاصة الأمريكية والفرنسية، فيما يساهم بتخفيف الأزمة الاقتصادية، خاصة ان من يدفع هي الدول العربية النفطية، راضية أم صاغرة أم خائفة 8- بقاؤهم جاهزين للانتقال إلى أية ساحة أخرى تقتضيها مصلحة تزوقها لهم الاستراتيجيات المعنية.

 يبقى أن هذه الأمنيات الثأرية أو العميلة أو الحسابية ( حيث يعتبر بعض الحالمين بالانفصالية ، ومنهم على سبيل المثال سمير جعجع في لبنان، أن قيام كيانات كهذه يسهل تحقيق حلمهم بكيان طائفي) – ليست أمنيات قدرية التحقق. حتى ولو كانت إسرائيل هي المستفيد الأول منها.

                                                                                                                      د. حياة الحويك عطية

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.