تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تلكلخ: مشهد «مصالحة وطنية» يثير جدلاً

في الأزمة السورية ثمة مشاهد كثيرة لا تصدق. مستوى العنف الذي لم يكن ممكناً التنبؤ به، عدد الضحايا المذهل، وتعقيدات القضية التي باتت قضايا ومحن بمستويات عدة.

بين ركام الدمار ووحل اليأس، تتشكل مشاهد مثيرة للاستغراب، لا تبدو منسجمة مع الواقع المأساوي الذي ساد لما يقترب من العامين من عمر الأزمة. احد هذه المشاهد، وإن اختلف السوريون على قبوله ورفضه، انعكس في مدينة تلكلخ القريبة من الحدود اللبنانية، بعد جهود قادتها لجنة المصالحة الوطنية المستقلة عن الدولة، والتي انتهت إلى زيارة قام بها محافظ حمص أحمد منير محمد لمدينة، التي يسيطر الوجود المسلح على معظم أحيائها.

هذا «الواقع المستجد»، الذي بدأ يتشكل في تلكلخ، يعتبره مؤسس ملتقى العشائر والقبائل العربية رئيس هيئة المصالحة الوطنية الشيخ صالح النعيمي من مشاهد انحسار الأزمة. «هي المرحلة التي تسبق مرحلة انتهاء الأزمة»، وفق تقديرات الشيخ، الذي قاد عشرات عمليات التفاوض لإطلاق سراح مخطوفين، أو تسليم جرحى وجثث قتلى. كان قادماً للتو من عملية إطلاق سراح أحد المخطوفين في حمص، حين تحدثت إليه «السفير».

موضوعنا لم يكن قضايا الخطف التي تجاوزت الألف في حمص وحدها وفق جداول الهيئة، بل ما جرى في تلكلخ، من حدث يصعب توصيفه، في سياق الأزمة. إذ تحرك موكب يضم فعاليات حزبية وسياسية صباح الاثنين الماضي يرأسه محافظ حمص إلى المدينة، التي لا زالت أعلام الانتداب ترفع على بعض مآذنها، برفقة إعلاميين رسميين ومن مؤسسات خاصة للوقوف على حاجات المدينة المعيشية والخدمية، وبحوار مباشر مع قادة المجموعات المسلحة الموجودة هناك، وذلك وفقاً لتوصيف شاهد عيان رافق الوفد وتحدث لـ«السفير».

يقول النعيمي إن هذه العملية استغرقت وقتاً، وجرت وفقاً لخطوات، أولها «الحوار مع المعارضة المسلحة، وجرى بطريقة مباشرة»، وذلك بعد الاستعانة «بشبكة العلاقات الاجتماعية الموجودة لدى العشائر والقبائل» والتي يضم ملتقاها ثلاثة آلاف عضو. ويضيف «تم اللقاء بيننا وبين القيادات حتى التوصل إلى اتفاق، ومن دلائل نجاح هذا الاتفاق أن أحد المفاوضين المعارضين تزوج منذ أيام، كإثبات لحالة الاستقرار التي تعيشها المدينة».

ويرفض النعيمي الإعلان عن أسماء القيادات التي تحدث إليها، لكن شبكات أخبار محلية موالية للسلطة انتقدت العملية، مشيرة إلى «مصافحة المحافظ لقتلة» بينهم أسماء أشخاص مثل عبد الرحمن ولو بصفته «عضواً في تنظيم القاعدة ومفتي الجماعات الإرهابية» وفقا للمصدر ذاته. لكن المحافظ لا يوافق على هذا التوصيف، كما لا يتوقف النعيمي عند هذه التفاصيل، بل هو يشير إلى أنه أخرج مجموعة من المطلوبين للدولة السورية من مناطق محاصرة بهدف علاجهم «قبل صدور برقيات كف البحث عنهم» التي يحصلون بموجبها على العفو الرسمي.

ويفسر الشيخ النعيمي خطوته «بضرورة التركيز على بناء الثقة بين مكونات المجتمع من جهة، وكامل الشعب والدولة من جهة أخرى. لذا نقوم بجمع المعارضة المسلحة وغير المسلحة مع الجهات الرسمية وممثليها ونجري الحوار»، حتى تأتي المرحلة الثانية وهي «مرحلة ما بعد الحوار المباشر، والتي توجت بدخول «وفد رسمي بشكل طبيعي وللمرة الأولى، مع وجود مسلح للطرف الآخر»، حيث يعتبر النعيمي هذه المرحلة «هي مرحلة ما قبل انتهاء الأزمة، وتقصدنا بالمشاهد الأخيرة أن تدخل الجهات الرسمية ويكون هناك أمان، وأن يظهر المسلح وقد اعترف بسلطة الدولة وبوجودها».

كلام لا يعجب الكثير من الموالين الذين يعتبرون الخطوة بمثابة «تسليم للمدينة»، وهو طرح لا يتفق معه محافظ حمص الذي يقول لـ«السفير» إن جل ما يقوم به يستند لهدف رئيس وهو «حجب الدم السوري»، مشيراً إلى أنه لن يتوانى عن خطوات مماثلة في كل مناطق سلطته الإدارية. «اللي بدو يصير جمّال بدو يعلي باب داره» يضيف بلهجة محلية، مكرراً أن المناطق التي هي خارج سلطة الدولة محدودة جداً في المحافظة، وتلكلخ ليست من ضمنها، وأن «الشرعية هي شرعية الدولة فقط وليس من شرعية أخرى».

هذا الرأي أيضاً لديه من يدعمه. تقول إحدى المعنيات لدى الجهات الرسمية بالقضية إنه «الأحرى بحمص أن يدافع عنها أهلها، فيما يركز الجيش معركته على الجهاديين المتدفقين من تركيا». وتضيف، على ألا يُذكر اسمها، أنه «ما من حل آخر. والبيت الذي فقد فرداً من أفراده، فمن الأفضل أن يحافظ على من تبقى».

ولذا تعاملت الجهات الرسمية مع الزيارة على أنها بمثابة «صلح» بين الدولة وخصومها. ويوضح النعيمي «بعد ذهابنا تم اللقاء مع المحافظ والجهات الرسمية، وتم الاتفاق على إدخال الإغاثة وورشات الصيانة وتحضير فتح الأسواق والمدارس». ووفقاً لإعلاميين فقد دخلت ورش الصيانة المدينة أمس الأول.

ماذا عن السلاح، تسأل «السفير»، وهو السؤال الذي يتكرر صداه منذ بداية الأزمة. «السلاح المنتشر في كل مكان ولدى الجميع؟» يجيب النعيمي بهدوء»، مضيفاً إن «هناك نوعين من المسلحين. مسلحون مؤيدون للدولة، ومسلحون معارضون لها. كما أنه يرتبط بوهم التهديد، حيث تشعر فئات أنها مهددة، لأسباب مذهبية أو مناطقية. لذا فالمهم إزالة أسباب التهديد أولا. أي معالجة الوهم».

ويضيف، أمر آخر يبدو استثنائياً، إن «موضوع السلاح يجب أن يتم بالاتفاق مع الدولة وبالاتفاق معهم، بحيث يتحولون للجان شعبية لأن المنطقة بحاجة لهذا الأمر»، وذلك بالإشارة إلى حجم التسلل الذي يجري من الجانب اللبناني من الحدود.

هل هذا يعني أن المسلحين سيديرون بندقيتهم باتجاه حلفائهم السابقين؟، يكرر النعيمي أن دورهم سيكون بمثابة لجان شعبية تحمي مدنهم وقراهم من أي تسلل من الخارج، وبالتنسيق مع الدولة!

هذا الكلام تردد على مسامع أحد الإعلاميين المرافقين للوفد الحكومي. يقول الإعلامي أحمد العاقل لـ«السفير» إن المحافظ قال، خلال الاجتماع بفعاليات المدينة ووجهائها وبينهم قادة عسكريون، إن «مسلحي تلكلخ لن يسلموا سلاحهم وأنفسهم للدولة، وإنما سيبقى السلاح معهم ليقوموا هم بحماية مدينتهم ضد الغرباء القادمين من خارج الحدود».

هل هذا ممكن. يبدي الطرفان النعيمي ومحمد ثقتهما بإمكانيته، بل يزيد المحافظ محمد «عندي ثقة تامة أن هذا السلاح لن يستخدم ضد الجيش السوري، بل سيحمي الحدود، وإذا دخلت عناصر تكفيرية إلى سوريا فإن شباب تلكلخ هم الذين سيتصدون لها».

ولا يخفي المحافظ، في الوقت ذاته، قلقه من «طرف ثالث» مستفيد من الأزمة ومن تحريكها. «بعد مغادرتنا بساعة ونصف الساعة أطلقت قذيفتا آربي جي على حي الأكراد. على الأرجح أطلقهما طرف ثالث له مصلحة في التصعيد، كما كان له مصلحة في إشعال الأزمة منذ البداية؟».

من هو الطرف الثالث؟، يقول محافظ حمص «هو ذاته الذي أوقع الفتنة بين المتظاهرين وقوى الأمن. هم ذاتهم تجار الأزمة».

أما موضوع الدم فيرى رئيس هيئة المصالحة النعيمي أنه يجب التعالي عنه، معتبراً أن «التسامح» يجب أن يحصل، وأن هيئة المصالحة لديها «لجنة المسامحين» لرعاية هذه العملية. «على السوري الذي فقد عزيزاً أن يقف ليقول، حتى ولو أمام القاتل، أنه يسامح من أجل سوريا»، يختم النعيمي بكل ثقة.

                                                                                                 

زياد حيدر

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.