تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هذه ليست ثورة ..وهذا ليس ربيعا

 يخيّم الظلام على العالم العربي، شيئاً فشيئاً. ضياع، موت، ودمار، تواكب جميعها المعركة من أجل حياة أفضل. تتنافس أطراف خارجية على النفوذ وعلى تصفية حسابات. التظاهرات السلمية التي بدأ كلّ شيء معها، والقيم الرفيعة التي ألهمتها، تكاد تصبح ذكريات بعيدة. الانتخابات هي مناسبات احتفالية تكون فيها الرؤى السياسية مجرد فكرة تأتي بعد الحدث. البرنامج المتماسك الوحيد هو ديني مسكون بالماضي. ينطلق صراع محموم وغير منتظم من أجل السلطة، من دون قواعد وقيم أو نهايات واضحة.

لن يتوقف الأمر مع تغيير النظام أو استمراره. التاريخ لا يتقدم الى الأمام، بل يتحرك جانبياً.
ألاعيب داخل لعب: معارك ضد الأنظمة الاستبدادية، صدام مذهبي سني ــ شيعي، صراع إقليمي على النفوذ، وحرب باردة جديدة. الأمم تتقسم، الأقليات تستيقظ وترى فرصة للتخلص من القيود التي تفرضها عليها الدولة. الصورة ضبابية جداً
. هذه ليست إلا أجزاءً من مشهد لا يزال يتكوّن، مع لمحات مشوشة من وجهته النهائية. التغييرات التي يعتقد اليوم أنّها أساسية، يمكن أن تعدّ مستقبلاً مجرد تفاصيل في رحلة طويلة.
فاعلون جدد، او ممّن استعادوا نشاطهم في الفترة الأخيرة يتسارعون لتبوء الصدارة: «الشارع» المبهم المستعد للتحشيد بالسرعة نفسها التي يتفكك بها
. المتظاهرون الشباب، من كانوا ناشطين بارزين خلال الانتفاضة وانتهوا مجرد ضحايا جانبيين في أعقابها. الإخوان المسلمون الذين كانوا البارحة يُرفضون من قبل الغرب كمتطرفين خطرين، يُحتفى بهم اليوم بوصفهم براغماتيين مقبولين و عقلانيين يدارون مصالحهم كرجال الأعمال. السلفيون، التقليديون أكثر من الإخوان، كانوا في الماضي رافضين كل أشكال السياسة، وأصبحوا الآن متحمسين للمنافسة في الانتخابات. كما توجد مجموعات مسلحة تعمل في الظل، وميليشيات ذات ولاءات مريبة وتمويل مجهول، وكذلك عصابات ومجرمون، وقطّاع طرق وخاطفون.
التحالفات انقلبت رأساً على عقب، وتتحدى كلّ منطق، مألوفة ومتغيّرة. أنظمة دينية تدعم علمانيين؛ دكتاتوريات تروج للديموقراطية؛ تحالفات أميركية مع إسلاميين؛ إسلاميون يساندون التدخل العسكري الغربي. ينحاز قوميون عرب إلى أنظمة لطالما حاربوها؛ ينحاز ليبراليون لإسلاميين ثم يتقاتلون معهم. تدعم المملكة العربية السعودية علمانيين في وجه الإخوان المسلمين، وسلفيين في وجه علمانيين. تتحالف الولايات المتحدة مع العراق، الذي يتحالف مع إيران، التي تساند النظام السوري، الذي تأمل الولايات المتحدة إطاحته، كما تتحالف الولايات المتحدة مع قطر، التي تمول حماس، وتتحالف مع السعودية التي تمول السلفيين، الذين يلهمون الجهاديين الذين يقتلون الاميركيين أينما استطاعوا
.
في زمن قياسي، انتقلت تركيا من صفر مشاكل مع جوارها الى لا شيء إلا مشاكل معهم كلهم. نفّرت ايران، وأغضبت العراق، وتشاجرت مع اسرائيل. هي تقريباً في حرب مع سوريا ومواجهة دبلوماسية مع روسيا. اصبح اكراد العراق اليوم حلفاء لأنقرة، في الوقت الذي تشن فيه حرباً ضد الأكراد لديها، رغم أنّ سياساتها في العراق وسوريا تزيد من جرأة الميول الانفصالية في تركيا نفسها
.
لسنوات، اختلفت إيران مع الأنظمة العربية، وبنت علاقات مع الإسلاميين الذين اعتقدت أنّ نظرتهم الدينية قد تمثّل قضية مشتركة معها. حالما وصلوا الى الحكم، سعى الإسلاميون إلى تطمين أعدائهم السابقين، في السعودية والغرب، ووضعوا مسافات بينهم وبين طهران، رغم محاولة إيران التقرب منهم. سيضطر النظام الإيراني إلى تنويع تحالفاته، ومد يده إلى غير الإسلاميين الذين تخلى عنهم النظام الناشئ، وروّعتهم الشراكة الحديثة بين الإسلاميين والولايات المتحدة. لدى ايران خبرة في هذا المجال: في العقود الثلاثة الماضية، تحالفت مع سوريا العلمانية، في الوقت الذي كانت فيه دمشق تقمع إسلامييها
.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.