تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

كسر التوازن.. كسر الحدود!!

مصدر الصورة
SNS

                                                                                                       10 /5/2013

قبل عشرات السنوات، وتحديداً بعد حرب تشرين عام 1973، وبعد أن اكتشف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أن الرئيس المصري آنذاك أنور السادات كان يشارك في الحرب ضد الكيان الإسرائيلي، كحرب تحريك وليس حرب تحرير، رفع الأسد شعار التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل وعمل على تحقيقه. وكان ذلك الشعار يعني أن الأسد لن يعوّل من الآن فصاعداً على الأنظمة العربية الرسمية وما تقدمه؛ كان الهدف بناء قدرات "سورية الذاتية" لحماية الذات وتحرير الأراضي المحتلة وصون المستقبل.

وربما لم تكن  "سورية" كدولة واضحة المعالم إلى ذلك الوقت من تاريخ سورية الحديث! لكن بالعودة إلى إستراتيجية حافظ الأسد، نجد أنها قامت على عدد من الأسس تبيّن أبعادها؛ تطوير قدرات الجمهورية العربية السورية الدفاعية والهجومية وتطوير بنيتها التحتية لتكون النواة الصلبة لمدّ المقاومة؛ دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة بكل الوسائل المتاحة للضغط على العدو الإسرائيلي لتحرير الأراضي الفلسطينية؛ ولاحقاً دعم المقاومة اللبنانية التي تشكلت، أيضاً بكل السبل والإمكانيات لتحرير الجنوب اللبناني. ماذا يعني ذلك عملياً؛ يعني أن "سورية الكبرى"، حلم حافظ الأسد، هي التي تقاوم!!

هذه المقدمة تهدف للانتقال إلى تأثير المستجدات التي خلقتها الأزمة السورية الحالية؛ فقد بادر بعض العرب إلى جانب إسرائيل وتنفيذاً لإرادة مشغّليهم باللعب على الوضع الداخلي في الجمهورية العربية السورية، فكانت حملة التخريب والتدمير التي رأيناها ولاتزال مستمرة منذ أكثر من عامين لضرب الدولة السورية وإخراجها من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي تحت شعارات لم يعد أحد يذكرها ممن رفعها!! ومنذ بداية الأزمة أكدنا أن الدولة السورية ستخرج منتصرة من هذه المحنة وستكون أقوى وأشد منعة، والخسائر التي تكبدها السوريون سيعوّضونها، والنصر الكبير يحتاج إلى تضحيات كبيرة، وأن السوريين سيتعلمون من الأزمة وسيستخدمون نتائجها لمصلحتهم؛

لقد وفّرت الأزمة في سورية بيئة خصبة للتدخل الخارجي المعادي لسورية، ولاسيما من قبل معظم جيران سورية، الذين يفترض بهم مساعدتها وليس محاربتها؛ وفي المقام الأول حكومة تركيا التي انقلبت على الصداقة السورية التي سعى الرئيس بشار الأسد للتأسيس لها ووضع قواعدها بين البلدين الجارين، فكان أن "غدرت" الحكومة التركية بكل المعايير الأخلاقية والمصالح والروابط وسمحت لتركيا بأن تتحول ممراً ومستقراً ومعيناً للمسلحين الذين تم إرسالهم للقتال والتخريب في سورية. وما قامت به تركيا يعدّ انتهاكاً لكل العلاقات بين الدول، لاسيما انتهاكاً للحدود بين الدول؛  بدوره، رفع لبنان شعار "النأي بالنفس" عن الوضع في سورية، لكن هذا الشعار تحوّل إلى نكتة سخيفة، لأن معظم الأطراف اللبنانية كانت متورطة في الأزمة السورية من إعلامها وإعلامييها، إلى مقاتليها ومسلحيها ومموليها ومشايخها...الخ، ولم يقصّر هؤلاء في خرق الحدود السوريةـ اللبنانية، رغم أنهم كانوا دائماً من حاملي شعارات الاستقلال والسيادة والانفصال؛ أما الأردن فقد فتح مساحات واسعة لتدريب المسلحين الأردنيين وغيرهم على أراضيه، وللقدوم إلى سورية، وهو يدرك ما سيقوم به هؤلاء وما ستخلفه جرائمهم وأعمالهم؛ ونصل إلى الكيان الصهيوني الذي لايحتاج المرء إلى كثير شرح ليفهم دوره وممارساته وعربدته واعتداءاته، وآخرها الهجوم الغادر على الأراضي السورية قبل أسبوع، فيما يعتبر انتهاكاً صارخاً لسيادة الجمهورية العربية السورية، وللمواثيق والاتفاقيات الدولية ومنها تحديداً اتفاقية فض الاشتباك بين سورية وإسرائيل، التي يتعتبر انتهاكها بحد ذاته إعلاناً للحرب على سورية!!

ماذا يعني كلّ ذلك!؟ يعني ببساطة أن تصرفات تلك الأطراف أكدت أن المسألة مترابطة وأن الذين سمحوا لأنفسهم بأن يخترقوا الحدود السورية ويستخدموها بشكل سلبي، لايمكنهم لوحدهم أن يحددوا ماهية هذه الاختراقات وغاياتها وأهدافها؟؟ هل كان حافظ الأسد يتوقع مثل هذا اليوم!؟

بالمعنى العملي تم تخطي حدود سايكس ـ بيكو، من قبل الجميع، ولكن إلى أين! لقد وضعت دمشق حداً للوافدين إليها وصححت اتجاه البوصلة العربية التي كانت تعمل بأيدٍ إسرائيلية وأمريكية؛ الوجهة الجديدة تحددها معايير القوة والتوازنات التي بدأت تتضح وتفرض نفسها على أرض الواقع، والتي يحددها محور المقاومة وأصدقاؤه، وتقول: انتهى حصار سورية وتدميرها وتغيير موقعها وخطّها ونهجها، والآن يتم كسر التوازن الإستراتيجي مع العدو(بعدما تم تخطي تحقيق هذا التوازن) وذلك بهدف محاصرة هذا العدو وتحرير الأراضي وبناء قوة إقليمية كبيرة نواتها سورية!

وفي تعليقها على حديث السيد حسن نصر الله أمس، أوضحت صحيفة السفير(10/5/2013) أن نصرالله "رسم مشهداً إقليمياً جديداً، انتفت فيه الفواصل والحدود الجغرافية بين ساحات المقاومة من فلسطين الى الجولان مروراً بلبنان". وكرر السيد نصر الله تحذيره للفلسطينيين(كأنه صوت حافظ الأسد)؛ "لن تجدوا من يقف إلى جانبكم إلا من وقف إلى جانبكم خلال عشرات السنين". وفي توضيح لطبيعة الرد السوري "الإستراتيجي" على الغارات الإسرائيلية، أكد نصرالله أن سورية اتخذت قراراً إستراتيجياً بتزويد المقاومة في لبنان بسلاح نوعي لم يصل إليها من قبل، وهذا الردّ كما يصفه نصر الله أكبر بكثير من قصف هدف محدد في فلسطين المحتلة. وأيضاً إعلان القيادة السورية فتح الباب للمقاومة الشعبية في جبهة الجولان لتوسيع بيكار التهديدات التي يجب أن تحيط بإسرائيل. ولم يتطرق نصرالله الى الرد الثالث إنما تركه مبهماً واصفاً إياه بالقصة الكبيرة، ليترك العدو تائهاً بين ناري الغموض والخوف. ولكن ماذا يعني تأكيد نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، لوكالة فرانس برس، أنه «تم إعطاء تعليمات للرد فوراً على أي هجوم إسرائيلي جديد من دون طلب تعليمات من السلطات العليا» في البلاد!؟؟

ثم، أليس لافتاً قرار "البرلمان الأردني" الصادر بالإجماع، والقاضي بتجميد العلاقات الدبلوماسية مع العدوّ الإسرائيلي، في هذه الظروف!! ألا يشير إلى ميول التصعيد ضد إسرائيل!! ألا يعكس أن الحركة الوطنية تتسع وتقوى وتسعى للتعبير عن توجه الأكثرية الأردنية إلى استبدال التموضع الاستراتيجي للأردن، ورفض استهداف سورية ورفض المواقف العربية الرجعية المذلّة التي بدأت ببيع القدس والأماكن المقدّسة وهي في طريقها للتنازل عن كل فلسطين!!

هل بقي لسايكيس ـ بيكو أي معنى!؟ نظرياً لاتزال الخرائط موجودة، ولكن عملياً سقطت كل الفواصل والحدود، وربما تحمل الأيام قريباً ولادة جديدة لمنطقة جديدة نواتها "سورية"، لايحتاج المرء فيها إلى جواز سفر من العراق إلى لبنان ومن آخر لواء اسكندرون إلى الأردن وفلسطين!!

هل هي الفوضى الخلاقة!؟ ربما!! هم أرادوها أن تكون فوضى مدمّرة ولكن حكمة قيادة حلف المقاومة استطاعت، وستستطيع تجميع وتوحيد وتجنيد طاقات الشعوب العربية الخلاقة في هذا الإقليم، في بناء مستقبل أفضل وأكثر أمناً واستقراراً وحرية وإزدهاراً، عبر توجيه "البوصلة" بالاتجاه الصحيح؛ نحو مشروع جديد لسورية الطبيعية؛ نحو تحرير قدس فلسطين وأقصاها؛ ضد العدو المتغطرس هناك؛ وليس لتدمير دمشق، قلب العروبة، وأرض الأمن والأمان كما وصفها رسول الله عليه الصلاة والسلام!!

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.