تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جنيف 2 على نار روسية في بيروت

منذ زيارة نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، إلى بيروت، في 26 نيسان الماضي، تبدو سفارة موسكو في العاصمة اللبنانية، وكأنها خلية أزمة مكلفة بالقضية السورية، أوخلية نحل وعمل، تحضيراً لمؤتمر جنيف الثاني. وذلك لأسباب عدة. فالحركة الدبلوماسية الروسية انتقلت من دمشق إلى بيروت، بعدما غادرت غالبية الممثليات الدبلوماسية العاصمة السورية. وباتت القدرة الروسية على التواصل والتفاعل مع القوى الخارجية المعنية بالأزمة السورية، أكبر بكثير في بيروت منها في دمشق. علماً أن اعتبارات تاريخية وجغرافية وحتى شخصية، تبرر اعتماد العاصمة اللبنانية دون سواها من العواصم الأخرى المجاورة لسوريا. فتاريخياً، كانت بيروت مركز تحرك "القنصل القيصري" في المشرق. تماماً كما كل قناصل أوروبا في زمن السلطنة العثمانية وحقبة نشوء دول المشرق الحديثة قبل قرن كامل. ثم إن المسافة بين بيروت ودمشق أقصر منها بين العاصمة السورية وأي مكان آخر. يضاف إلى ذلك أمران من باب المصادفات الشخصية. الأمر الأول هو أن بوغدانوف، الذي يتولى في وزارة خارجية بلاده، مهاماً أساسية في الملف السوري، هو صديق شخصي للسفير الروسي في بيروت، ألكسندر زاسبيكين، منذ كانا مطلع السبعينات زميلين في معهد العلاقات الدولية، أو مدرسة الدبلوماسيين، التابعة لوزارة الخارجية السوفياتية يومها. والأمر الثاني أن ابن زاسبيكين، وهو نجله الوحيد، دبلوماسي روسي أيضاً، ومن العاملين ضمن "الفريق السوري" لبوغدانوف في موسكو.

هكذا اكتملت كل خيوط الدور المميز للسفارة في بيروت حيال أحداث دمشق. وهو ما اكتسب دفعاً جديداً بعد زيارة بوغدانوف الأخيرة. ذلك أن نائب لافروف، رغم زيارته الخاصة إلى العاصمة السورية، حرص على أن يلتقي وفد معارضة الداخل السورية، في بيروت نفسها، لا في دمشق. الخطوة اللافتة أعطيت أكثر من تفسير. البعض قال أنها حصلت في العاصمة اللبنانية لأن "رفاقاً شيوعيين قدامى" من لبنان، ساهموا في إعداد اللقاء، نتيجة علاقاتهم الوثيقة والمستمرة مع "رفاقهم السوريين" المعارضين. بعض آخر ألمح إلى أن بوغدانوف قصد ذلك لطمأنة المعارضين السوريين إلى أنهم يستطيعون أن يقولوا كل شيء، طالما أنهم مشمولون بمساحة الحرية التي تؤمنها لهم بيروت. لكن أياً كانت خلفيات مكان الاجتماع، تؤكد مصادر شاركت في لقاء بوغدانوف مع المعارضين السوريين، انه لم يتوصل إلى نتائج محددة. ذلك أن المسؤول الروسي حاول أن يوحي لضيوفه بأنهم أمام فرصة استثنائية، وأن عليهم أن يبادروا إلى تلقفها. قال لهم بوضوح: نحن نحضر لمؤتمر جنيف الثاني. ونحن متفقون مع الأميركيين على الأطر العامة لهذا المؤتمر. لا بل أكثر من ذلك، نحن معنيون بتحديد هويات المشاركين في هذا المؤتمر، لا من جهة النظام وحسب، بل أيضاً من جهة المعارضة. لذلك نقول لكم، حضروا أنفسكم لهذا الدور، ونحن جاهزون لدعمكم. غير أن ردود فعل المعارضين السوريين كانت مترددة، متريثة وغير حاسمة. مما ترك تفسيرات كثيرة حيالها. فتحت عنوان الاستمهال للتشاور مع المعارضين الآخرين، تكوّن انطباع لدى الجهة الروسية أن الذين يتحدثون معهم يعانون إما من أزمة خوف على حياتهم وأنفسهم من القوى الجهادية فيما لو وافقوا على الانضمام إلى جنيف 2، وإما أنهم يعانون من أزمة شرعية تمثيلية، ويخشون أن يفتضح ذلك فيما لو شاركوا في أي حوار وتوصلوا إلى أي نتائج سيطلب منهم عندها تنفيذها وتطبيقها على الأرض.

هكذا بدا واضحاً ن لقاء بوغدانوف بالمعارضين السوريين لم يؤد إلى النتائج المرجوة روسياً. وهو ما جعل السفارة الروسية في بيروت تتحول بعد مغادرته فريق عمل مستمر لمتابعة المهمة. إذ تؤكد معلومات موثوقة لموقعنا أن السفير ألكسندر زاسبكين يعقد لقاءات متوالية تحضيراً لمؤتمر جنيف 2. وهو يتواصل لذلك مع دمشق كما مع موسكو. وهو يطلب مباشرة من جميع محاوريه تقديم الاقتراحات التي يرونها مفيدة لتحصين وجهة نظر روسيا في المؤتمر المذكور. وفي هذا الإطار تم التوقف عند نقاط عدة، ابرزها الآتي:

أولاً ضرورة التأكيد على عدم وجود أي شرط أو صلة بين انعقاد المؤتمر وتنحي الرئيس السوري بشار الأسد.

ثانياً، ضرورة مواكبة أعمال المؤتمر بحركة محلية وإقليمية لافتة وعالية الصوت، حول مسألة الأقليات في المنطقة في مواجهة خطر الأصوليات الجهادية. مع التأكيد على أن هذا العنوان ضروري لدعم وجهة النظر الروسية في الموضوع السوري، فضلاً عن كونه جزءاً من الفلسفة الرسمية للسياسة الخارجية الروسية الجديدة. فكما كانت "موسكو السوفياتية" تعتبر "حركات تحرر الشعوب" جزءاً أساسياً من إيديولوجية النظام فيها، وحاملاً جوهرياً لسياستها الخارجية، هكذا أيضاً تنظر "موسكو الأرثوذكسية" إلى مسألة الأقليات الدينية في هذه المنطقة من العالم.

ثالثاً، تدور نقاشات واسعة في هذا الإطار، حول الشق المالي والإعماري والتعويضات، الذي يجب أن يطرح في مؤتمر جنيف 2. ويبدو الجانب الروسي مهتماً بالحصول على القراءة السورية الرسمية، للخسائر المادية والبشرية التي خلفتها الأحداث في سوريا طيلة عامين ونيف. وذلك من أجل إظهار التوازن والتوازي في ما يمكن أن يطرح في المؤتمر الدولي المقبل، من مسؤولية عما حصل، كما من مسؤوليات دولية لاحقة حول المساعدة في إخراج سوريا من نكبتها.

وأخيراً، تؤكد المعلومات الموثوقة لموقعنا أيضاً، أن البحث يجري في دوائر السفارة الروسية في بيروت، حول الجهات الدولية المفترض أن تشارك في المؤتمر المرتقب. وكان لافتاً أن الدبلوماسيين الروس توقفوا باهتمام عند اقتراح أن تتم دعوة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للمشاركة. أولاً لأن الفلسطينيين معنيون بأحداث سوريا من زاوية وجود مخيمات لاجئيهم على الأراضي السورية. وثانياً لأن في ذلك جرعة إضافية من الدعم الدولي لشرعية ابو مازن. وثالثاً، لأن سلطات دمشق ستكون مرحبة بذلك، للرد على الموقف السلبي الذي اتخته حركة "حماس" من النظام السوري، بعد التزام خالد مشعل بالموقف الرسمي لحركة الإخوان المسلمين من الأحداث السورية.

هكذا واياً كانت النتائج والأجندة واحتمال انعقاد مؤتمر دولي لحل الأزمة السورية، يظل واضحاً أن جزءاً من جنيف -2، يطبخ الآن على نار روسية خفيفة في بيروت.

                                                                                              جان عزيز



 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.