تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فضيحة بجلاجل

 

 

في يوم الأحد 27 شباط 2010 نشرت في هذا الركن بالذات مقالاً بعنوان (وصية ماركيز الملفقة) حول الوصية التي نشرت على لسان ماركيز في 29 أيار عام 2000 في جريدة "لاريبوبليكا" التي تصدر في البيرو بعنوان "الدمية"، قيل يومها إنها عبارة عن رسالة وداع وجهها الأديب الكولومبي لأقرب أصدقائه لمناسبة تدهور حالته الصحية بعد أن اعتزل الحياة العامة بسبب إصابته بمرض خبيث.

وقد نشرت الوصية على أوسع نطاق في مختلف البلدان وخاصة البلدان الناطقة بالإسبانية التي يكتب بها ماركيز، فقد نشرت جريدة "لاكرونيكا" المكسيكية القصيدة على صفحتها الأولى إلى جانب صورة كبيرة لماركيز، مع مانشيت عريض يقول: "غابرييل غارسيا ماركيز يغني أغنية للحياة". وقد أعلن كثيرون تأثرهم البالغ لما اعتبروه الوصية الأخيرة لماركيز الذي يلفظ أنفاسه.

يومها استوقفتني ركاكة بعض المقاطع في الوصية فقمت بعملية بحث عن ترجمات أخرى لها ظناً مني أن ضعف تلك المقاطع يرجع لسوء الترجمة لكن البحث قادني باتجاه آخر مختلف تماماً، إذ تبين لي أن حالة ماركيز الصحية لم تتدهور، وأنه لم يكتب تلك القصيدة التي نسبت إليه.

فقد نشرت جريدة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ 1 حزيران 2000 مقالاً بعنوان "قصيدة وداعية تستغفل القراء" كشفت فيه أن ما زُعِمَ بأنه وصية ماركيز هو من تأليف شخص مكسيكي مغمور يعمل في تحريك الدمى يدعى جوني ولش. وقد اعترف ولش بذلك في لقاء مع إحدى المحطات الإذاعية المكسيكية.

 

عشرون شهراً مرَّت على قيامي بنشر مقالي عن (وصية ماركيز الملفقة) رغم هذا فقد تلقيت تلك الوصية بالبريد الإلكتروني مراراً من أصدقاء في الداخل السوري وآخرين منتشرين في مختلف أنحاء العالم، كما لو أنه لا أحد يقرأ!

قبل نحو شهر كتبت لي صديقة افتراضية تدعى فاضلة سلامة تقول إنها قد وجدت (وصية ماركيز الملفقة) في منهاج اللغة العربية الجديد "الصف الثامن" وقد سألتني يومها بحيرة "هل من المعقول أن ندرس شيئاً لأبنائنا دون التأكد من مصدره؟".

 


أعترف أنني لم آخذ كلام الصديقة سلامة على محمل الجد غير أنني لم أتمكن من نسيانه. ولكي أقطع الشك باليقين طلبت من أختي أن تؤمن لي نسخة من كتاب اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي وقد صدمت عندما وجدت في قسم الأدب العالمي وصية ماركيز (الملفقة) منشورة تحت عنوان "رسالة ماركيز الأخيرة".

 


استعرضت الكتاب ورأسي يغلي بعشرات إشارات الاستفهام والتعجب، استوقفتني العبارة التالية التي وردت في صدر الكتاب (أشرفت على تأليف هذا الكتاب اللجنة التوجيهية العليا المشكلة بالقرار الوزاري رقم 253/943 تاريخ 1/4/2010. أي بعد نشر مقالي بحوالي شهرين.

الصدمة الكبرى هي أن لجنة التأليف تضم 14 مؤلفاً تشرف عليهم لجنة تقويم تضم عشرة اختصاصيين بينهم أربعة دكاترة! هذا عدا جماعة التدقيق اللغوي والتنفيذ والتصميم والإخراج، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن عدد المشاركين في إنتاج ذلك الكتاب يبلغ اثنين وثلاثين رأساً بالتمام والكمال! والفضيحة ذات الجلاجل هي أن جميع هؤلاء السادة الفضلاء قد ختموا العلم، على ما يبدو، إذ ليس بينهم من قرأ المقال المنشور في هذه الجريدة، وعلى مختلف مواقع الإنترنت! وهذا يضعنا أمام فضيحة أخرى تتصل بمحنة الكتابة والقراءة، لكن هذا حديث آخر شجنه أكثر مرارة ووجعه أشد.

 

 

النص الشهير بوصية ماركيز

 

لو وهبني الله حياة أطول لكان من المحتمل ألا أقول كل ما أفكر فيه، لكنني بالقطع كنت سأفكر في كل ما أقوله .
كنت سأقيّم الأشياء ليس وفقاً لقيمتها المادية ...، بل وفقاً لما تنطوي عليه من معان.
كنت سأنام أقلّ، وأحلم أكثر في كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور ، كنت سأسير بينما يتوقف الآخرون . أظل يقظاً بينما يخلد آخرون للنوم ، كنت سأستمع بينما يتكلم الآخرون . كنت سأستمتع بآيس كريم لذيذ بطعم الشكولاتة .
لو أن الله أهداني بعض الوقت لأعيشه كنت سأرتدي البسيط من الثياب ، كنت سأتمدد في الشمس تاركاً جسدي مكشوفاً بل وروحي أيضاً .
يا إلهي ... لو أن لي قليلاً من الوقت لكنت كتبت بعضاً مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس .
كنت سأرسم على النجوم قصيدة بنيدتي وأحلام فان جوج كنت سأنشد أغنية من أغاني سرات أهديها للقمر ، لرويت الزهر بدمعي ، كي أشعر بألم أشواكه ، وبقبلات أوراقه القرمزية .
يا إلهي ... إذا كان مقدراً لي أن أعيش وقتاً أطول ...، لما تركت يوماً واحد يمر دون أن أقول للناس أنني أحبهم ، أحبهم جميعاً ، لما تركت رجلاً واحداً أو امرأة إلا وأقنعته أنه المفضل عندي ، كنت عشت عاشقاً للحب .
كنت سأثبت لكل البشر أنهم مخطئون لو ظنوا أنهم يتوقفون عن الحب عندما يتقدمون في السن ، في حين أنهم في الحقيقة لا يتقدمون في السن إلا عندما يتوقفون عن الحب .
كنت سأمنح الطفل الصغير أجنحة وأتركه يتعلم وحده الطيران كنت سأجعل المسنين يدركون أن تقدم العمر ليس هو الذي يجعلنا نموت بل : الموت الحقيقي هو النسيان .
كم من الأشياء تعلمتها منك أيها الإنسان ، تعلمت أننا جميعا نريد أن نعيش في قمة الجبل ، دون أن ندرك أن السعادة الحقيقية تكمن في تسلق هذا الجبل ، تعلمت أنه حين يفتح الطفل المولود كفه لأول مرة تظل كف والده تعانق كفه إلى الأبد ، تعلمت أنه ليس من حق الإنسان أن ينظر إلى الآخر ، من أعلى إلى أسفل ، إلا إذا كان يساعده على النهوض ، تعلمت منك هذه الأشياء الكثيرة ، لكنها للأسف لن تفيدني لأني عندما تعلمتها كنت أحتضر .
عبر عما تشعر به دائماً ، افعل ما تفكر فيه.. لو كنت أعرف أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي أراك فيها نائماً ، لكنت احتضنتك بقوة ، ولطلبت من الله أن يجعلني حارساً لروحك.
لو كنت أعرف أن هذه هي المرة الأخيرة التي أراك فيها تخرج من الباب لكنت احتضنتك ، وقبلتك ، ثم كنت أناديك لكي احتضنك وأقبلك مرة أخرى . لو كنت أعرف أن هذه هي آخر مرة أسمع فيها صوتك لكنت سجلت كل كلمة من كلماتك لكي أعيد سماعها إلى الأبد .
لو كنت أعرف أن هذه هي آخر اللحظات التي أراك فيها لقلت لك أنني أحبك دون أن أفترض بغباء أنك تعرف هذا فعلاً .
الغد يأتي دائماً ، والحياة تعطينا فرصة لكي نفعل الأشياء بطريقة أفضل .
لو كنت مخطئاً وكان اليوم هو فرصتي الأخيرة فإنني أقول كم أحبك ، ولن أنساكم أبداً . ما من أحد ، شاباً كان أو مسناً ، واثق من مجيء الغد ، لذلك لا أقلّ من أن تتحرك ، لأنه إذا لم يأت الغد ، فإنك بلا شك سوف تندم كثيراً على اليوم الذي كان لديك فيه متسع كي تقول أحبك ، لن تبتسم لأن تأخذ حضناً أو قبلة أو تحقق رغبة أخيرة لمن تحب
ماذا يهمني من اتساع العالم وفردة حذائي ضيقة
كم هو جميل السفر في الخيال وبين دفات الكتب، فمهما طالت حياة الانسان فحياة واحدة لاتكفيه وفي كل كتاب حياة منفصلة بذاتها

                                                                                                                                 حسن م يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.